وقد استدل الفلاسفة وعلماء الكلام على كون الله تعالى فاعلاً مختاراً بأنّ الفاعل على نوعين : إمّا (مخيّر) ، وإمّا (مُسيَّر) كتأثير الشمس في المنظومة الشمسيّة وموجوداتها.
فلو قلنا : إنّ خالق العالم فاعل مسيّر ، لوجب التسليم بأحد الأمرين : إمّا بأنّ الوجود قديم ، وإمّا بأنّ الذات الإلهيّة حادثة ، لأنّ الفاعل المسيَّر لا ينفصل عن فعله أبداً.
أمّا كون هذا العالم أزلي فغير ممكن ، لأننا عرفنا دلائل حدوث العالم في بحث وجود الله سبحانه.
والقول بحدوث الذات الإلهيّة المقدّسة يستلزم إنكار وجوده تعالى ، لأنّها لو كانت حادثة لاحتاجت إلى علّة ، إذن فهو ليس بواجب الوجود والحالة هذه.
وبتعبير آخر لو كانت خالقية الباري كأشعة الشمس لاستلزم أن يكون هذا الكون قديماً وازلياً ، لأنّ إرسال الشمس لأشعتها لا إراديّ وهو ملازم لوجودها دائماً وأبداً.
لذا نستنتج بأنّ الله تعالى فاعل مختار ، وأنّ ذاته المقدّسة أزلية وفعله حادث ، وكلما أراد شيئاً يتحقق بدون فاصلة زمنية.
سؤال : من المعلوم أنّ كلمة الفاعل المختار تعني المريد ، ونعلم أنّ الإرادة كيفيّة نفسانية تَعرض على صاحبها ، وهذا المفهوم يتعارض مع حقيقة ذات الباري تعالى ، لأنّ ذاته لا تقع محلاً للحوادث ، فكيف نفسّر إرادة الله تعالى؟
الجواب : بالرجوع إلى ما ذكرناه في بحث الإرادة الإلهيّة (في ذيل صفة علم الله تعالى) يتضح جواب هذا السؤال ، وهو عدم إمكانية تطبيق ومقايسة مفهوم الإرادة الذي نجده في أنفسنا مع مفهومها بالنسبة للذات الإلهيّة ، كما هو الحال في صفة العلم ، فالعلم الحصولي الموجود فينا والحادث بالنسبة لنا لا معنى له أبداً بخصوص الذات الإلهيّة المقدّسة.
والإرادة الإلهيّة الذاتية ـ كما شرحنا ذلك سابقاً تتشعَّب من علمه سبحانه ، وهي عبارة عن (علمه بالنظام التكويني الأحسن) الذي هو علّة خلق الأشياء والأحداث الواقعة في الأزمنة المختلفة.