إذن إرادته أزليّة وآثارها تدريجيّة (تمعّن بدقة).
ولزيادة الإطلاع حول هذا الموضوع ، وحول التفاوت الموجود بين الإرادة الإلهيّة «الذاتية» و «الفعلية» راجع بحث الإرادة في نفس هذا الجزء.
٥ ـ المخالفون لشمول القدرة الإلهيّة : في نفس الوقت الذي أقرّ بعض الفلاسفة والمتكلمين بالقدرة الإلهيّة بدون أي مناقشة ، نجدهم قد توقفوا في مسألة عموميّتها ـ بسبب مواجهتهم لبعض الإشكالات التي عجزوا عن حلّها ، ومن جملة هؤلاء :
١ ـ الفلاسفة والمتكلمين المجوس : ومن المعلوم أنهم قسّموا جميع موجودات العالم إلى مجموعتين : (الخير) و (الشر) ، واعتقدوا بأنّ لكل واحدة منها خالقاً خاصاً ، فخالق الخير لا يُمكن أن يخلق الشّر ، والعكس صحيح ، لذا فقد اعتقدوا بتعدُّد المبدي : إله الخير (يزدان) ، وإله الشّر (أهريمن) ، بَيدَ أن خطأهم الفادح ناجم من تقسيم الموجودات منذ البداية إلى مجموعتي الخير والشر ، لأنّ التحقيقات الدقيقة تُشير إلى عدم وجود (الشر المطلق) في عالم الوجود ، بل مانسميّه نحن بالشر قد يكون ذا جنبة عدميّة كالفقر والجهل ، فالأول بمعنى عدم المال والثروة ، والثاني بمعنى عدم العلم ، ونحن نعلم بأنّ العدم ليس شيئاً يحتاج إلى خالق.
وأمّا ما كان ذا جنبة نسبية كلسعة الحشرات التي تعتبر شرّاً بالنسبة للشخص الملسوع فهي في الحقيقة وسيلة دفاعية بالنسبة للحشرات اللاسعة ، وتعتبر خيراً لأنّها وسيلة لتأمين بقائها.
علاوة على أنّ الكثير من الأمور الوجوديّة نعتبرها شرّاً بسبب جهلنا لأسرارها ، لذا وبعد حصول التطور العلمي واكتشاف أسرارها نُقرُّ بضرورتها ، كالعواصف الثلجية الباردة التي تقضي على الكثير من الآفات النباتية ، أو الحّر الشديد الذي يؤدّي إلى نمو أنواع النباتات وتبخُّر كمياتِ كبيرة من مياه البحار الذي يؤدّي بالتالي إلى هطول الأمطار المفيدة وما شاكل ذلك. لذا فعندما ننزع نظارات الشّر عن أنظارنا ، وننظر إلى الوجود بنظرة خير ينتفي موضوع هذه العقيدة الثنوية ، وهناك توضيحات أوسع حول هذا الموضوع سنطرحها في