وقال بعض المفسّرين : إنّ (الأول) و (الآخر) يشمل كل زمان ، و (الظاهر) و (الباطن) يشمل جميع حقيقة المكان ، لذا فالآية المذكورة كناية عن حضور الله تعالى الدائمي في كل مكانٍ وزمان (١).
وواضح أن تعبير «الزمان» وما شاكل في العبارات المذكورة هو لضيق البيان ، وإلّا فالله سبحانه فوق الزمان والمكان.
* * *
وفي الآية الثانية وبالرغم من أنّ الحديث عن فناء سكّان الأرض ، لكنّها بالحقيقة لاتنحصر بأهل الأرض فقط ، يقول تبارك وتعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُوالْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ).
صحيح أنّ التعبير بعبارة (من عليها) إشارة إلى الموجودات العاقلة من الجن والإنس ، لكنّه وكما احتمل بعض المفسّرينَ لا يستبعد أن يكون المقصود منها جميع الكائنات الحّية الأرضية (من باب التغليب) ، وعلى أيّة حال فالهدف الأساس من الأية هو بيان فناء جميع الموجودات وبقاء الذات الإلهيّة المقدّسة.
ولو أنّ (وَجه) في اللغة يعني قرص الوجه ، لكنّه في مثل هذه الحالات يعني الوجود والذات.
ولا يُستبَعد أن يكون التعبير بعبارة «ذو الجَلال والإكْرام» إشارة إلى الصفات الإلهيّة السلبيّة والثبوتية ، لأنّ «ذو الجلال» تحكي عن الصفات السلبية ، بمعنى أنّ الله تعالى أجَلُّ وأعْلى من أن يوصف بها ، و «الإكرام» إشارة إلى الصفات المُظهرة لكمال الشي ، وهي الصفات الإلهيّة الثبوتيّة ، كعلم الله وقدرته.
أجَل ، إنّ الإله صاحب الجمال والجلال باقٍ دائماً ، ومن سواه فانٍ.
والجدير بالذكر هو كون الآية من «سورة الرحمن» التي يفيض محتواها بذكر النّعَم
__________________
(١) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٧ ، ص ٧١٨.