وقالت الآية الخامسة بصراحة ـ والتي وردت بخصوص حالة خاصّة وهي الأنِفاق ـ (وَمَا تُنفِقُوا مِن خَيرٍ ... يُوَفَّ الَيكُمْ وَانتُم لَاتُظلَمُونَ).
فسّر جماعة من المفسّرين (الظلم) هنا بمعنى النقصان ، (أي لا تُنقَصون) ، ولكن يبدو بأنّ (الظلم) هنا له نفس ذلك المعنى الواسع على الرغم من كون مصداقه هنا النقصان الكمّي أو الكيفي.
والملفت للإنتباه هو أنّ ـ كما لوّح به صدر الآية ، وصرّح به شأن النزول ـ هذه الآية نزلت بخصوص الإنفاق حتى على فقراء الكفّار ، فشوّق القرآن جميع المسلمين لينفقوا عليهم أيضاً عند حاجتهم ، إنّهم غير مسؤولين عن إيمان الكفّار ، فهدايتهم وتوفيقهم للإسلام بيد الله ، فليطمئن المسلمون بأنّ كل انفاقٍ خالص لمساعدة الفقراء الحقيقيين سيوفّى إلى المُنفقين يوماً ما ويعود إلى حوزتهم.
أمّا في الدنيا فلأنّه (أي الإنفاق) يؤمّنُ ويحفظ أموالهم ، حيث عندما يضغط الفقر على طائفة من المجتمع فستسودهُ الفوضى ، وينعدم الأمن في المجتمع ، وستتعرض الأموال للتلف ليست لوحدها فقط ، بل الأرواح أيضاً.
أمّا في الآخرة فانهم سيحصلون على أضعافه المضاعفة من الرحمة الإلهيّة والثواب العظيم.
وبالمناسبة إنّ هذا التعبير يُعَدُّ ترغيباً للمُنفقين لإنفاق أفضل مقدار ونوعٍ من أموالهم في سبيل الله ، لأنّه سيوفَّى إليهم ، فهل يُحبّ أحدٌ أن يسترجع ثياباً رثّةً أو أموالاً غثة؟ إذن يجب أن لا يكون سعيه الوحيد هو إنفاق أمواله الحقيرة في سبيل الله.
* * *
وتحدثت الآية السادسة عن الذين كانوا يزكّون أنفسهم ويعتقدون بأفضليتهم على من سواهم ، كاليهود الذين قالوا : نحن أبناء الله ، وكانوا يعتقدون بأنّ الله يغفر في الليل ما يرتكبونه من الخطايا في النهار ، ويغفر في النهار ما يرتكبونه من الخطايا في الليل! أو