النصارى الذين كانوا يعتقدون لأنفسهم من قبيل هذه الأمور (حول شأن نزول هذه الآية ، أشار الكثير من المفسّرين إلى إدعاءات هاتين الفئتين).
فالقرآن يقول (إنّ هذه التزكية الناشئة من التعصُّب والعُجب والغرور ، لا قيمة لها ، إنّما القيمة في تزكية الله من يشاء من عباده) ، قال تعالى : (بِلِ اللهُ يُزَكّى مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظلَمُونَ فَتِيلاً).
أجَل ، إنّ علمه بجميع وجود الإنسان ، ظاهره وباطنه ، خلقه وطبعه ، أعماله السريّة والعلنية ، يؤدّي إلى أن تكون تزكيته لفردٍ ما حقانية ، أي لا أقل ولا أكثر من اللازم ، في حين أنّ تزكية الآخرين مشوبة بالجهل في أبعاد مختلفة ، ومصحوبة بأنواع الحب والبغض والغفلة والغرور.
وعليه فانَّ الكلام في هذه الآية يدور فقط حول الظلم وتجاوز الحد بالنسبة إلى تزكية الأشخاص من قِبلِ الله سبحانه وتعالى ، ولكن يُحتمل أيضاً أن تكون هذه الجملة إشارة إلى الذنب الكبير الذي كان يرتكبه المزكّون أنفسهم بسبب عجبهم ، لأنّهم كانوا يعتقدون بخصوصيّتهم عن غيرهم واستحقاقهم لكل ألوان الكرم الإلهي.
فالقرآن يقول : إنّ من وراء هذا الكلام عقوبة ثقيلة ولكن لا ظُلم فيها.
ولكن يبدو أنّ التفسير الأول أقرب إلى المعنى.
أمّا مادّة (فتْل) على وزن (قتل) فهي تعني البرم ، لذا فإنّ (فتيل) يعني الحبل المبروم ، وتُطلق عادةً على ذلك (الخيط) الرقيق الموجود في شق نواة التمر ، وهو كناية عن الشيء القليل جدّاً.
* * *
ويُلاحظ في الآية السابعة نفس هذا المعنى بتعبيرٍ جديد ، فإن كانت الآيات الاخرى قد نفت ظلم الله لعباده ، فهذه الآية نفت ظلمه للعالمين جميعاً ، فليس فقط لا يظلم ، بل حتى لا تتعلق إرادته بالظلم ، قال سبحانه : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلماً لِّلعَالَمِينَ).