ولو اعتبرنا كلمة (عالمين) جمع عاقل ، لشملت جميع الموجودات العاقلة في الوجود ، من الناس ، والجن والملائكة ، وإن حملناها على (التغليب) لشملت جميع موجودات عالم الوجود ، من العاقلة وغير العاقلة ، ومن الحيّة وغير الحيّة (الجمادات) ، ولأثبتت العدل الإلهي بخصوصها جميعاً (أي وضع كل شيء في محلّه المناسب).
والتعبير بكلمة (ظُلماً) وبصيغة المفرد النكرة وسبقه بالنفي ، إنّما هو من أجل التعميم ، ويشمل أدنى وأقلَّ ظُلمٍ وجَور.
وقد ورد في تفسير الميزان أَنّ التعبير بكلمة (العالمين) يُشير إلى هذه الحقيقة ، وهو : انعكاس أثر الظلم في جميع العالم بأي مقدارٍ كان ومن أي إنسان صَدَر. (لأنّ العالم وحدة مترابطة) (١).
والجدير بالإلتفات هو أنّ جماعةً من العلماء توسّلوا بهذه الآية لإبطال مذهب الجبر وما يتفرع منه ، فقالوا : إذا كانت أعمال العباد من فعل الله وصادرة من ذاته المقدّسة ، لا ستوجب أن يكون ظلمهم بعضهم أو أنفسهم من فعله تعالى ، ولكن الآية المذكورة أعلاه عندما نفت أي ظُلمٍ من قبل الله للعالمين فإنّها تدلّ على انتفاء كون هذه المظالم من فعله تعالى ، بل هي من أنفسهم ، لأنّها لو كانت من فِعله لتعلقت بها الإرادة الإلهيّة ، وقوله : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلماً) يدّل على نزاهة ذاته المقدّسة عن هذه المظالم.
والعجيب هو أنّ الفخر الرازي قد نقل هذا الكلام في تفسيره من دون أن يكون له جواب عنه ، على الرغم من تعارُضه مع عقيدته حول الجبر والتفويض (٢).
وعلى أيّة حال ، إنّ هذه الآية لها صيغة تعميمية من ثلاث جهات : (العالمين) و (الظلم) و (الإرادة) وتُعَدُّ من أجمع آيات نفي الظلم عن الله تعالى.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج ٣ ، ص ١٤١٤ (مع شيءٍ من الإقتباس).
(٢) تفسير الكبير ، ج ٨ ، ص ١٧٤.