يرتكبوا الذنوب الموجودة في علم الله منذ الأزل ، لصار علم الله جهلاً! (١)
في حين أنّ الرد على هذا الإشكال من البساطة والوضوح بحيث يعلمه جميع من لهم أدنى اطلاع حول مسألة الجبر والتفويض ، وسيأتي شرحه في البحوث القادمة إن شاء الله تعالى.
* * *
وأمّا الآية التاسعة فقد أشارت أيضاً إلى مسألة عدالة الله في القيامة في مسألة الثواب والعقاب ، وأكّدت على كلمة (القِسط) ، قال تعالى : (إِنَّهُ يَبدَؤُا الخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجزِىَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالقِسطِ).
وهذه الآية بالواقع تشير إلى كُلٍّ من الدليل العقلي على إمكان المعاد ، ودليل وقوعه ، أمّا إمكانه فلأنّ مَنْ بدَء الخلق قادر قطعاً على إعادته وإحيائه من جديد.
أمّا وقوعه ، فلو لم يكُن (المعاد) لما تحقق القسط والعدل ، فهنالك الكثير من المحسنين ممن لم يحصلوا في هذه الدنيا على ثواب عملهم ، ومن المسيئين الذين لم يذوقوا ـ في هذه الحياة الدنيا ـ قصاص أعمالهم ، فلولا المعاد لما تحقق العدل والقِسْط.
والجدير بالإنتباه هو أَنّ الآية قد أشارت في نهايتها إلى العذاب الأليم الذي سيلقاه الكافرون في الآخرة : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُم شَرَابٌ مِّن حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكفُرُونَ). (يونس / ٤)
دون أن تتطرّق إلى مسألة القسط والعدل ، والسبب في هذا هو أنّ إجراء القسط والعدل في جزاء الكافرين واضح من قرينة بداية الآية ، علاوةً على كون جملة : (بما كانوا يكفرون) دليلاً واضحاً على كون ما يلقونه من العذاب جزاء ولقاء ما كانوا يعملون ، وكأنّ المقصود من ذكر (القسط) بعد جزاء الصالحين هو بيان كونه الهدف الأصلي للخلق والإيجاد ، وما يوم القيامة والحساب إلّالأجلهم وله حالة تبعيّة تخصّ الآخرين.
واحتمل بعض المفسّرين حول تفسير هذه الآية أنّ القسط هنا يخص أعمال المؤمنين ،
__________________
(١) تفسير الكبير ، ٧ ، ص ٢٠٦.