الفلاسفة بأنّ الأمور على خمسة أنواع : الأشياء التامّة الخير والتي يُستلزم صدورها من الله عزوجل ، والأشياء التامّة الشر التي يستحيل صدورها من الله عزوجل ، والأشياء التي يغلب خيرها وهي ضرورية الصدور من الله أيضاً ، والأشياء الغالبة الشّر أو التي تساوى خيرها وشرّها ، فكلاهما لا يصدران من الله تعالى ، وما نراه من الحيوانات المؤذية في عالمنا فانَّ فوائده الوجوديّة أكثر من شره ، «ولذلك خُلقوا» (١). لذا يُحتمل أن يكون المقصود من خلق الشّر من قبل الله تعالى هو الأمور التي فيها نسبة من الشّر ، لكن خيرها غالب في المجموع.
والسؤال الآخر المطروح بصدد هذه الرواية هو : أنّ الرواية تقول بأنّ الله يجري الخير والشّر على يد فئات مُختلفة من الناس ، أفلا تُعطي هذه المسألة رائحة الجبر؟ وكيف يمكن للخالق الحكيم أن يجعل أفراداً وسيلة للشرّ والفساد؟ والجواب على هذا السؤال أيضاً ، بالنظر لما مضى سابقاً ، ليس بأمر مُعقّد ، لأنّ هذه التعابير تُشير إلى التوحيد الأفعالي الإلهي ، أي أنّ ذاته منتهى كُلّ شيء ولكن الله قد منح الإنسان حرّية الإرادة وخيارها ومكّنه من أسباب الخير والشّر والصلاح والفساد ليبتليه ، فالبشر هم الذين يُصمِّمون التصميم النهائي في انتخاب نوع الطريق ، ونوع البرنامج السلوكي ، ومُسلّماً أنّ الله يجري أنواع الخير على يد الذين ينتهجون طريق الإيمان والعمل الصالح.
ومن هنا يتضح تفسير الآيات التي تقول : (فَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ* وَمَن يَعمَلْ مِثقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ). (الزلزال / ٧ ـ ٨)
وخلاصة الكلام هو أنّ الشر بمفهومه العدمي ليس بمخلوقٍ إلهيّ ، وما هو مخلوق شيئان :
١ ـ الأمور الوجوديّة الأصل لكنها أسباب الأمور العدميّة ، وقد ذكرنا أمثلتها.
٢ ـ الأمور التي خيرها يغلب شرّها ، أو بتعبير أخر شرها نِسْبي ، كالكثير من سموم الحيوانات التي تؤدي إلى موت وهلاك الإنسان في حالات معينة ، لكنها وكما نعلم مادّة صناعة الكثير من العقاقير الشافية من جهة اخرى ، ويوجد في مراكز صناعة الأدوية أقسام لحفظ الثعابين الخطرة وذلك للاستفادة من سمومها ، علاوةً على هذا فإنّ أنياب وسُمّ هذه
__________________
(١) مرآة العقول ، ج ٢ ، ص ١٧١ ، باب الخير والشر ، ح ١.