فوجودها ثابت ومحيط بها جميعاً والمتغيِّر هو الموجودات المحاطة ، كما هو الحال فيما لو تحرك شخص مُعّين أمامنا فإنّ صورته سوف تقع على شبكية العين ، وستتغير هذه الصورة بتغير حاله ، فتتغير المفاهيم الذهنية الموجودة عنه في أذهاننا تبعاً للتغييرات ، وكل هذا لسبب كون علمنا هنا انعكاساً للأشياء الخارجية فينا ، فلو كان علمنا بالأشياء الخارجية علماً ناجماً من الاحاطة بجميعها ، لما حصل أي نوع من التغير ، بل لكان التغير فيها فقط (فتأمل).
٣ ـ كيف يحصل علم الله بالجزئيات ، مع أنّ الجزئيات متعددة ومتكثرة ، وذاته المقدّسة واحدة لا تعرف التعدد؟
الجواب : إنّ هذا الخطأ أيضاً نجم عن مقايسة علم الله بعلمنا الذي نحصل عليه عن طريق انتقال المفاهيم والصور الذهنية ، في حين أنّ علمه بالموجودات ليس علماً حصولياً ، بل حضوريٌّ ، أي أنّ جميع الموجودات ماثلة بذاتها بين يديه عزوجل ، وهو يحيط بها جميعاً دون الحاجة إلى مفاهيم أو صور ذهنية معينة (١).
٤ ـ كيف يمكن تصور علم الله بالحوادث المستقبلية التي ليس لها وجود خارجي في الوقت الحاضر حتى تقع في دائرة علم الله؟ فهل توجد لدى الله مفاهيم وصور ذهنية عنها؟ مع تقدّسه سبحانه عن أن يكون له ذهن ، أو أن يكون علمه حصولياً؟ إذن ما علينا إلّاأن نستسلم ونقول : بأنّه سبحانه لا يعلم بالحوادث المستقبلية! لأنّ العلم الحضوري منتفٍ بالنسبة إلى المعدوم ، وبذلك يصبح العلم الحصولي لله تعالى أمر لا يمكن تصوره أيضاً.
على الرغم من أنّ هذا السؤال والإشكال قد طرح حول العلم بالحوادث المستقبلية ، إلّا أنّه يرد بنفسه حول الحوادث الماضية المعدومة أيضاً ، لأنّ الحوادث الماضية لا وجود لها الآن ، فصورة (فرعون) أو بني إسرائيل وأصحاب (موسى) مثلاً لا وجود لها حالياً وقد تلاشت ، كما أنّ تأريخها قد فات أيضاً ، فنحن نستطيع الوقوف على الماضي بمجرّد أن
__________________
(١) الفرق الموجود بين هذه الإشكالات الثلاثة هو أنّ الأول يتعلق بتعدد العالم والمعلوم ، والثاني بتغيّر الموجودات ، والثالث بتكثرها.