نستحضر في أذهاننا صوره فحسب ، لأنّ علمنا علم حصولي يتحقق بواسطة المفاهيم والصور الذهنية فقط ، وبما أنّ علم الله علمٌ حضوري فهو لايعرف أي لون من الوساطة والمفاهيم ، فكيف يمكن تصوُّر علمه بالحوادث الماضية؟
الجواب : يمكن الإجابة عن هذا السؤال والإشكال بثلاث طرق :
١ ـ إنّ الله محيط دائماً بذاته المقدّسة التي هي علّة جميع الكائنات ، وهذا العلم الإجمالي بجميع حوادث وموجودات الوجود أزلي وأبدي (أي قبل الإيجاد وبعده).
وبتعبير آخر لو علمنا علل الأشياء ، لاستطعنا أن نعلم نتائجها ومعلولاتها أيضاً ، لأنّ كُل علّة تستبطن جميع كمالات معلولها وأكثر.
ويمكن شرح هذا الكلام بشكل أوضح كما يلي : إنّ الحوادث الماضية لم تنمح تماماً ، فإنّ آثارها موجودة في طيّات الحوادث الآنية ، وكذلك بالنسبة إلى الحوادث المستقبلية فهي غير منفصلة عن الحوادث الآنية ، ولها علاقة معها ، وعليه ف «الماضي» و «الحاضر» و «المستقبل» يشكلون معاً سلسلة شبيهة بالعلة والمعلول ، بحيث لو اطّلعنا على كل واحدة منها بدقّة ، لشاهدنا فيها الحلقات القبلية والبعدية لهذه السلسلة.
فمثلاً لو أحَطْتُ علماً وبدقّة بمناخ جميع الكرة الأرضية ، وبكل مميزاته ، وجزئياته ، وعلله ، ومعلولاته ، وحركة الكرة الأرضية ، ومسألة الفعل ورد الفعل ، لاستطعتُ أن احيط علماً بوضعية المناخ قبل أو بعد ملايين السنين بصورة دقيقة. لأنّ شواهد الماضي والمستقبل موجودة فعلاً ، لا الشواهد الإجمالية بل تفصيلات الشواهد المنعكسة في جزئيات الحاضر.
فالحاضر يعكس الماضي ، والمستقبل يعكس الحاضر ، والاحاطة العلمية الكاملة بجزئيات الحاضر ، معناها الإحاطة الكاملة بحوادث الماضي والمستقبل.
لذا فعندنا تكون حوادث الحاضر ماثلة بين يدي الله تعالى بجميع خصوصياتها ، فإنّها بمعنى مثول الماضي والمستقبل أيضاً بين يديه عزوجل.
فالحاضر مرآة للماضي والمستقبل ، ويمكن مشاهدة جميع الحوادث الماضية والمستقبلية في مرآة الحاضر (فتأمل).