ويستفاد من مجموع هذه الآية أنّ القدرة الحاصلة في التكاليف الشرعية على قسمين :
الأول : القدرة العرفية التي هي المناط في جميع التكاليف الإلهية المستفادة من قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج ـ ٧٨] وقوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة ـ ١٨٥] ، وقول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «بعثت بالشريعة السهلة السمحاء» ، وقوله (صلىاللهعليهوآله) «الدين يسر».
الثاني : القدرة العقلية التي تجتمع مع الحرج والمشقة بل حتى مع العذر أيضا ، وهي ليست مناط التكاليف الإلهية الثابتة لعامة الناس.
وبناء على ذلك إنّ الصوم كتب على من يقدر عليه بالقدرة الشرعية مع عدم عسر وحرج ، وأما من تمكن منه بالقدرة العقلية أي : مع المشقة والجهد ، فيتبدل تكليفه إلى الفدية.
وقرئ (يطوقونه) أي يتجشمونه ويتكلفونه ، ورويت هذه القراءة عن جملة من الصحابة والتابعين.
قوله تعالى : (طَعامُ مِسْكِينٍ).
بيان للفدية في اليوم ، وقدّر في الروايات ـ كمية ـ بمد ، وهو سبعمائة وخمسون غراما ، و ـ كيفية ـ بكل ما يأكله الإنسان لإشباعه من الجوع.
والمسكين هنا مطلق الفقير ، لما تعارف بين العلماء من أنّ الفقير والمسكين كالظرف والجار والمجرور إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، ولم يجتمعا في القرآن الكريم إلا في مورد واحد وهو قوله تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها) [التوبة ـ ٦٠].
قوله تعالى : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ).
الظاهر أنّه راجع إلى كيفية الطعام وكميته زائدا على أصل الإطعام. وأما رجوعه إلى أصل الصوم وإثبات استحبابه بعد سقوط تشريعه بالنسبة إلى المسافر