موافق للعقل فإنّ جحود المنعم الحقيقي من أقبح القبائح العقلية التي يوجب سلب الاحترام عنه ، ومن كان كذلك فقد ألقى احترام نفسه وأقدم على هتكها وإزالة حرمتها وبذلك قد أسقط جميع حرماته بنفسه عند نفسه قال تعالى : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [النحل ـ ١١٨] ، وبذلك صحت القاعدة التي ذكروها : «إنّ كلّ ما ينبعث عن الذات يرجع أثره إليه» ولها شواهد كثيرة من الكتاب والسنة والعقل يأتي التعرض لها في محلّه إن شاء الله تعالى.
الرابع : يستفاد من قوله تعالى : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أنّ الانتهاء عن المعصية يكفي في التوبة ويدل عليه قول نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : «كفى بالندم توبة» وإطلاقه يشمل قبول التوبة عن الشرك والكفر والقتال ونحو ذلك. وحينئذ لا بد من حمل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء ـ ٤٨] ، على ما إذا أسلم ثم كفر وأشرك بالله العظيم أي : لا يسقط الحكم المترتب على شركه ظاهرا بالتوبة. وأما بينه وبين الله تعالى فإنّ الحق ـ كما ذهب إليه المحقّقون ـ هو القبول والبحث محرّر في الفقه.
الخامس : إنّما لم يذكر الإضافة إلى الفاعل في قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تجليلا وتعظيما للغفران والرحمة ، وللإعلام بأنّهما عامّان لا يختصان بمورد دون آخر ، وبشخص غير شخص بل هما من أوسع الصفات وأعمهما ، وإنّما اسندا إلى الله تعالى لبيان عدم تناهيهما كعدم تناهي الذات.
السادس : إنّما كرر سبحانه وتعالى (فَإِنِ انْتَهَوْا) للترغيب إلى الكف عن القتال وأنّ الانتهاء يرفع القتل عمن ينتهي ويدخله في غفرانه ورحمته في المآل ويوجب محو ما سلف عنه.
السابع : إنّ قوله تعالى : (فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) بيان لعلة الاعتداء عليهم أي : أنّهم إذا انتهوا عن عدوانهم فلا تعتدوا عليهم لأنّه يختص بالظالمين والمفروض انتهاؤهم عن الظلم.
الثامن : إنّ قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) من القواعد العقلية الجارية في جميع شؤون الحياة وفي كلّ الحالات وهي من أهمّ القواعد