أي : لمن اتصف بصفة التّقوى التي هي من أجلّ المقامات فيكون بالنسبة إليه كلّ واحد من النفر الأول والثاني على حدّ سواء ، ويشمل ذلك التجنب عن محرّمات الإحرام كالصيد ونحوه فمقام المتقين أوجب التوسعة والتخيير لهم في النفر فيكون قوله تعالى : (لِمَنِ اتَّقى) قيدا لتمام الجملة التي قبله ، ويدل عليه بعض الأحاديث أيضا.
وقد يقال : إنّ المراد بقوله تعالى : (لِمَنِ اتَّقى) الاجتناب عن المحرّمات في الإحرام ويكون على هذا قيدا لخصوص (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) يعني أنّ من اجتنب المحرّمات في إحرامه لا بأس عليه أن ينفر في النفر الأول ، ويشهد عليه سياق الآيات الواردة في الحج بعد ملاحظة مجموعها كما تدل عليه جملة من الأحاديث.
ويمكن إرجاع هذا الوجه إلى الأول بعد القول بأنّ إطلاق التّقوى نص في المورد.
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ).
أمر بالتّقوى بفعل الطّاعات والاجتناب عن المعاصي ، والحث عليها وتذكير بالحشر والحساب فإنّ أمر التّقوى لا يتمّ إلا مع ذكر الحشر والحساب والجزاء ، فيكون ذلك داعيا إلى العمل وباعثا على ملازمة التّقوى قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) [ص ـ ٢٦] ، وقال جل شأنه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) [الحشر ـ ١٩] ، وإطلاق هذه الآية المباركة يشمل نسيان المبدأ والمعاد فأنساهم أنفسهم.
وفي الآية ترغيب إلى ملازمة التّقوى في جميع الحالات وإرشاد إلى عدم الاتكال على الطّاعات التي صدرت منه وعدم الاغترار بما فعل من الحسنات.
ومن تكرار الأمر بالتّقوى والذّكر يستفاد أنّه لا بد من ملازمتهما وتمكين النّفس منهما وعدم الغفلة عنهما بحال. وأنّ قبول الأعمال إنّما يكون بهما.