الحركات والأفعال بل حتى الخطرات ، فإنّ المقام جليل والمطلب خطير ولا يناله إلا من كان بانيا على التكميل ، لأنّ أصل تشريع هذا السّفر إنّما هو لتحريك النفس الإنسانية إلى المشاعر الربوبية والانتقال منها إلى المنازل المعنوية والتوجه فيها إلى المعارف الإلهية ، وتحلّي النفس بأخلاق الله تعالى فتصير الدّنيا والآخرة عنده كمرآتين متقابلتين تحكي إحداهما عن الاخرى على نحو النقص والتمام اللذين هما من خصوصيات الذات والزمان لا من جهات أخرى.
وفي هذا السّفر منازل ومقامات لا يمكن الوصول إليها إلا بعد طيّها والخروج منها على الوجه المطلوب ونبذ ما هو المعتاد والمألوف فإنّ الشيطان حريص على الغواية والتضليل.
وأول تلك المنازل حمل الزاد وتهيئة المركب كما في سائر الأسفار الدنيوية فإنّ أول ما يفعله المسافر حمل الزاد ومعرفة أمن الطريق وتوثيق الصلة مع أرباب النّواحي وتثبيت الارتباط مع مدبّر كلّ بلد ومديره ليأمن كيدهم ، وكلّ ما عظم السفر اشتدت الحاجة إلى الزاد.
والسّفر إلى الحج سفر إلى الله تعالى فلا بد من الاهتمام بما يأخذه من الزّاد وقد أخبرنا الله عزوجل أنّ التقوى هي خير الزاد فإنّها من أعظم السبل في توثيق الصلة والارتباط مع مالك الملك ومدبّر الأمور وهي مالكية أزمة الآخرة ويتبعها مالكية أزمة الدنيا فإنّها تبع الآخرة فإنّ للدنيا جهتين : الأصالة. لكونها محلّ العمل ، فلو لا الدنيا لما كان عمل ولا عامل ولا تكليف ولا جزاء. وجهة التبعية لكونها مزرعة الآخرة. فلو لا الآخرة لما خلقت الدّنيا ، فبالتقوى ينال محبة الله تعالى وبها يمتطي ضهوة النّفس الأمارة ويأخذ لزمامها. وهي مفتاح كلّ خير وصلاح.
ومن منازل هذا السّفر الخطير الإعراض عما سواه عزوجل والابتعاد عن الأغيار ، لأنّه السّفر إلى الله والسّير إلى حريم كبريائه عزوجل فلا بد أن يكون حجه وعمرته لله ربّ العالمين.