ومن منازله أيضا البناء والعزم على إتيان العمل جامعا للشرائط وأن لا يقدم عليه إلا وهو مطمئنّ النفس على إتمامها فإنّ قطع العمل والرجوع عن السّير بعد التلبّس به مما لا يليق بمقام العبودية بل قد يوجب الحرمان كما هو معروف لدى أهل العرفان.
ثم يحرم عند الوصول إلى الميقات وهو أول المقامات فيحرم النفس عن المشتهيات ويوقفها عن كافة الشهوات ويطرح عنها كلّ مشتبه وحرام عند خلعه الثياب عن الأبدان.
ويتهيّأ للدخول في الحرم الإلهي والورود في ضيافة الرّحمن ولا بدّ أن يلاحظ أنّه في المأمن الإلهي ، وهو من أهمّ ما يبتغيه أهل السّير والسلوك في الله تعالى فيجب أن يكون السّعي والعمل متفقين مع الإرادة القلبية وكلاهما لله تعالى فترتفع الأغيار وتزول الحجب والأستار.
ثم الطواف بالبيت رمز العشق بالله عزوجل وهو جذب روحي وإظهار للعبودية فلا بد وأن يكثر من ذلك كالمحب الذي تيّمه الحب وذلله وهو يطوف حول بيت الحبيب وقد علا صوته بالبكاء والنحيب لعلّه يلقاه أو يجيب ، وفي الطّواف حكم وإشارات منها التردد في محالّ القدس والإعلام بأنّ الطالب للحبيب لا بد له من الفناء فيه ليفوز بلقياه ونيل إفاضاته.
والصلاة في المقام إشارة إلى التشبّه بخليل الرّحمن في تركه طاعة الشيطان.
وفي السّعي بين الصّفا والمروة انقطاع إلى ربّ الخلائق وإبراز التحيّر في ذاته المقدّسة واظهار العشق له ونبذ كلّ صنم ووثن ومعبود سواه.
والوقوف بالمشاعر العظام إنّما هو تذكير بالوقوف بين يدي الله تعالى في عرصات يوم القيامة وإبراز الخضوع والخشوع لعظمته تعالى وإظهار التذلّل والعبودية لساحة قدسه فلا بد وأن يكون على سكينة ووقار طالبا مغفرته ورضوانه ، فإنّ تلك المشاعر العظام ليست إلا من مظاهر التوحيد وإلقاء الشرك والكفر. والوقوف فيها مع ما فيها من الزحام إراءة نموذج ما يكون في طريق