خطوات الشيطان تستر شمس الحقيقة عن البصائر كما تستر الشمس عن الأبصار بالغمام.
الثاني : أنّه تحيط به المكاره والمتاعب كإحاطة ظلل الغمام بما أظلّت عليه ، وإن كان الإنسان لا يدرك ذلك ما دام متابعا لخطوات الشيطان ، والوجه في ذلك معلوم فإنّ التابع إنّما يتبع المتبوع في ما يدعو إليه حتّى يصير مثله وتسري فيه غريزته وطبيعته ، فإذا كان المتبوع من أهل الضّلال والفساد تسري في التابع هذه الغرائز فيصير نسخة أخرى من المتبوع فإذا اشتدت وقويت هذه الغرائز في الناس واستفحل الأمر ولم تنفعه النصائح والنذر لا بد من نزول العذاب في ظلل كالغمام لتحسم به مادة الفساد وتنقلع أسباب الضلال.
والحاصل : إنّ ما ورد في الآية الشريفة يبين الحكم الوضعي لمتابعة الشيطان والزلل عن الدخول في السّلم ، ويستفاد منها سنخية العذاب مع المعصية وملائمته مع الإثم.
وفيها إشارة إلى بعض كيفيات عذاب الاستقبال وعذاب الآخرة فيرجع تحصّل معنى الآية الشريفة : هل ينتظر هؤلاء علامات قيام الساعة ، وانقضاء الأمر بالنسبة إلى أهل الجنة وأهل النار وحينئذ فلا تنتفع كلّ نفس بإيمان لم تكن آمنت به من قبل.
ففي الآية تهويل عظيم وتوعيد شديد لأمر متوقع الحصول في هذه الدنيا ، فتكون مرآة لما يقع في الآخرة.
ومن ذلك يعلم أنّ العذاب لا يختص بالدنيا فقط أو الآخرة كذلك بل تكون وعيدا لما سيقع في الدنيا والآخرة.
قوله تعالى : (وَقُضِيَ الْأَمْرُ).
جملة حالية ، أي : حضر زمان القضاء وفصل الأمر فيقضي بالحق ولا رادّ لقضائه ، وحذف الفاعل المعلوم في المقام للتهويل وإظهار الكبرياء كما هو كثير في المحاورات الفصيحة.