قوله تعالى : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).
بيان لصدر الآية المباركة فإنّ من ترجع إليه الأمور بجميع جزئياتها وكليّاتها لا بد وأن يكون مبدأ لجميع تلك الأمور ، لما أثبتناه سابقا من تلازم المبدأ والمرجع.
وفي الآية الشريفة من التهديد وتهويل الأمر ما لا يخفى وإعلام بأنّ من كان يتوجه إليه في الجملة لا بد وأن يعدّ نفسه للرجوع إليه تعالى.
٢١١ ـ قوله تعالى : (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ).
تثبيت وتأكيد لما ذكر في الآيات السابقة وقد أورد عزوجل من أحوال بني إسرائيل بعد ما ذكر من الوعيد للاعتبار من أحوال الماضين ، وللإعلام بأنّه يجري في المخاطبين ما جرى في الأمم السابقة إن هم استمروا في العناد واللجاج وأعرضوا عن الدّخول في السّلم وزلّوا عما جاءهم من البينات.
والاعتبار بأحوال الماضين أمر تربوي له أهميته الكبرى في تهذيب النفوس والتأثير العظيم في إصلاحها. وقد اعتنى به عزوجل في القرآن الكريم بذكره تعالى أحوال الأمم السابقة وما جرى عليهم وفيه من الفوائد الكثيرة ، بل هو أمر فطري في الجملة حتى لقد ارتكز في النفوس : «أنّ التاريخ يعيد نفسه» ولعلّنا نتعرّض للبحث عنه في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
وكيف كان ففي الآية المباركة تسلية لنبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله). وإنّها تشير إلى أنّ الجحود واللجاج طبيعة واحدة وإن تعددت مظاهرهما في الأمم المختلفة كقوم إبراهيم ، وقوم لوط وقوم موسى ، ومشركي العرب ، وكلّ ذلك ينشأ من الصّراع بين الحق والباطل الذي هو قديم ، هو الصّراع بين العقل والجهل.
وقد ذكر سبحانه بني إسرائيل لأنّهم كانوا وثيقوا الصلة بالعرب ، وكانوا مجاورين لهم يعرفون من أخبارهم ويتتبعون آثارهم فهم بمرأى منهم ومنظر.