ولهذا اللفظ استعمالات كثيرة في القرآن ، قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران ـ ١١٠] ، وقال تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام ـ ٢٨] ، وقال تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر ـ ٢٤] ، وقال تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً) [النمل ـ ٨٢] ، وقال تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء ـ ٢٩] ، وقال تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) [القصص ـ ٢٨].
وقد يطلق على الواحد قال تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) [النحل ـ ١٢٠] ، باعتبار أنّه سبب في اتحاد جماعة واتفاق في الدّين.
ولم يبيّن سبحانه متعلّق الوحدة لإفادة العموم فكان الناس متحدين في جميع الشؤون لا تفرق بينهم في الشرائع والنّحل ، وإنّ الاختلاف بينهم في أمور الدنيا وما يتعلّق بشؤون حياتهم ، لما كانوا عليه من السذاجة والبساطة فكانوا على الفطرة الأولية التي لا اختلاف فيها ولا تفرق وليس لهم من العلوم إلا البديهيات والفطريات.
ويمكن تحديد هذا الدور بدور الطفولة في الحياة الإنسانية فلم يكن يعرف من رموز الحياة وأسرار الطبيعة ولم يكن همه من العيش سوى نيل البقاء بالطرق الأولية ، فكان يأوي إلى الكهوف والمغارات للعيش ، ويتغذّى على النبات وما يقع تحت يده من الصيد ، ويدافع عن نفسه بأبسط وسائل الدفاع.
وبالجملة إنّ في هذا الدّور من تاريخ حياة الإنسان على وجه هذه البسيطة لم يكن تعقيد في أيّ وسيلة من وسائل حياته ، وهو على فطرته الأولية في جميع شؤونه العلمية والاجتماعية والدينية ، وقد ورد في الحديث : «كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلّالا». فالوحدة هي الأصل ما لم يثبت التكثر والتعدد اللذين حصلا بعد قرون عديدة ولم يبق الإنسان