على هذه الحالة بل بمقتضى السّير التكاملي إنّه استقبل أمورا لم يكن يعرفها من قبل ، وازدادت معارفه وعلومه بعد أن كانت مقتصرة على المحسوسات فقط ، وتمكن من الاستيفاء من الحياة بأفضل مما كان عليه فاقتضى هذا الوضع أن يبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وينزل معهم الكتاب ليبين لهم طريق السعادة وتحفظ لهم الوحدة ويرفع الاختلاف والتزاحم بينهم ، ويسهّل لهم الاستفادة من مزايا الحياة بعد أن لم يتمكن العقل الذي هو شرع داخلي لوحده أن يتصدّى لذلك بل لا بد من شرع خارجي يعضده كما ذكرنا مرارا.
ومن ذلك يعلم أنّه لا يشترط أن يكون بعث الأنبياء (عليهمالسلام) إلا بعد حصول الاختلاف بين أفراد الناس ، كما ذكره بعض المفسرين.
والمشهور بين المفسرين أنّ المراد بالآية الشريفة أنّ الناس كانوا أمة واحدة على الهداية ، والاختلاف إنّما نشأ بعد نزول الكتاب وبعث الأنبياء ، فإن كان مرادهم من ذلك ما ذكرناه من أنّهم كانوا على الفطرة غير جاحدين للربوبية فلا إشكال ، وإلا فإنّ الهداية إنّما تحصل من بعث الأنبياء (عليهمالسلام) وإنزال الكتب والمعارف الإلهية.
ثم ما هو الدّاعي لزعزعة الوحدة ببعث الأنبياء الذين هم يبغونها وإشاعة الاختلاف والتنازع بين أفراد الإنسان؟!!.
وقيل : إنّ المراد بالاية المباركة أنّ الناس كانوا أمة على الضلالة بقرينة قوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) لأنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب إنّما يكونان لرفع الضلالة.
ولكن فساده واضح :
أما أولا : فلأنّ مصلحة إرسال الرسل وبعث الأنبياء لم تقتصر على ما ذكر ، بل يمكن أن تكون لإتمام الحجة عليهم.
وثانيا : إذا كانوا جميعا على الضلالة فما وجه نسبتها إلى البعض منهم وهم حملة الكتاب.