النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ). قال (عليهالسلام) : «كانوا قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لا مهتدين ولا ضلّالا فبعث الله النبيين».
أقول : هذا موافق للأمر التكويني لعدم تشعب الأفكار ، بل كانوا على سذاجة الفطرة لا مهتدين بالهداية التشريعية ، ولا ضلّالا بضلالة الكفر ، لعدم إتمام الحجة بالرسل وعدم حدوثها بعد فلما بعث الله الرسل وأتم الحجة بهم اختلفوا وتفرقوا.
وفي تفسير العياشي عن مسعدة عن أبي عبد الله (عليهالسلام) في قول الله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) قال (عليهالسلام) : «كان ذلك قبل نوح فقيل : فعلى هدى كانوا؟ قال (عليهالسلام) : بل كانوا ضلّالا ، وذلك أنّه لما انقرض آدم وصالح ذريته وبقي شيث وصيّه لا يقدر على إظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريته. وذلك أنّ قابيل توعّده بالقتل كما قتل أخاه هابيل فسار فيهم بالتقية والكتمان فازدادوا كلّ يوم ضلالا حتّى لم يبق على الأرض معهم إلا من هو سلف ، ولحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله ، فبدا لله تعالى أن يبعث الرسل ، ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا قد فرغ من الأمر ، وكذبوا ، إنّما هو شيء يحكم به الله في كلّ عام ثم قرأ (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) فيحكم الله تبارك وتعالى : ما يكون في تلك السنة من شدّة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك. قلت : أفضلّالا كانوا قبل النبيين أم على هدى؟ قال (عليهالسلام) : لم يكونوا على هدى ، كانوا على فطرة الله التي فطرهم عليها ، لا تبديل لخلق الله ، ولم يكونوا ليهتدوا حتى يهديهم الله ، أما تسمع لقول إبراهيم : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) أي ناسيا للميثاق».
أقول : هذه الرّواية تجمع بين ما دلّ على أنّهم كانوا قبل نوح ضلّالا ، وما دلّ على أنّهم لم يكونوا كذلك ، فيكون المراد بالضلال أي عدم فعلية دعوة الرسل الإلهية فيهم. وسيأتي شرح البداء وما قيل من أنّه قد فرغ من الأمر في الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.