وفي تفسير العياشي عن الثمالي عن أبي جعفر (عليهالسلام) : «كان ما بين آدم وبين نوح من الأنبياء مستخفين ومستعلنين ، ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسمّوا كما سمي من استعلن من الأنبياء ـ الحديث ـ».
أقول : إنّ الوجه في كونهم مستخفين عدم صلاحية الظروف لإظهار الدّعوة ، كما عرفت في الرواية السابقة.
وفي نهج البلاغة قال (عليهالسلام) في خطبة له يذكر فيها خلق آدم (عليهالسلام) : «وأهبطه إلى دار البلية ، وتناسل الذرية ، واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لما بدّل أكثر خلقه عهد الله إليهم ، فجهلوا حقه ، واتخذوا الأنداد معه ، واجتالتهم الشياطين عن معرفته ، واقتطعتهم عن عبادته ، فبعث فيهم رسله ، وواتر إليهم أنبياءه ليستأدوهم ميثاق فطرته ، ويذكّروهم منسيّ نعمته ، ويحتجوا عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ، ويروهم الآيات المقدّرة ـ الخطبة ـ».
أقول : إنّ هذه الخطبة تشتمل على حكمة بعث الأنبياء وإرسال الرسل (عليهمالسلام) وأنّهم يدعون إلى الفطرة الإنسانية كما أنّ الفطرة تدعو إليهم أيضا ، فهم مع الفطرة متلازمان في الواقع ، ولكنّ الفطرة بوجودها الوجداني لا تكفي في نوع الإنسان للداعوية فلا بد من تكميلها بحجة خارجية ، وهي الأنبياء والرسل ، كما ذكرناه في البحث الفلسفي.
وقوله (عليهالسلام) : «واجتالتهم الشياطين» أي استخفتهم فجالوا معهم في الضّلال.
وقوله (عليهالسلام) «ليستأدوهم» أي يؤدّي لهم الأنبياء ميثاق الفطرة ، وسيأتي إن شاء الله في الموضع المناسب شرح الخطبة الجليلة.
وفي التوحيد عن هشام بن الحكم قال : «سأل الزنديق أبا عبد الله (عليهالسلام) فقال : فمن أين أثبتّ أنبياء ورسلا؟ قال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إنّا لما أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه ، ولا أن يلامسه ولا يلامسهم ، ولا يباشرهم