ومطيتين يقطع بهما العامل كلّ طريق مخوف حتى يصل إلى المطلوب. فهما جزءا إرادته ، يكشفان عن شدة تعلّق صاحبهما بمتعلّقهما ومحبته لهما ، فكلّ حبّ مصحوب بالخوف والرجاء ، وعلى قدر تمكنه من قلب المحب يشتد خوفه ورجاؤه ، فإنّ التطلع إلى رؤية المحبوب ورجاء ملاقاته يصحبهما توقع حدوث المكروه ولا أقلّ من احتمال صرفه عن رؤية المحبوب فيظلّ الإنسان دائما بين الخوف والرّجاء ، وهو يعيش بينهما امنا مطمئنّ النّفس إذا كانا متعلّقين بالله تعالى ، قال عزوجل : (يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ) [الإسراء ـ ٥٧] ، وفي الحديث «ما اجتمعا في قلب عبد في هذا الموطن ـ أي عند النزع ـ إلا أعطاه الله ما رجا وآمنه مما يخاف».
ومما ذكرنا يظهر أنّ حقيقة الرّجاء تتقوّم بأمور :
الأول : إنّه جزء من الإرادة في الإنسان التي بموجبها صارت أفعاله ذات قيمة أخلاقية.
الثاني : إنّه يتعلّق بما هو متوقع الحصول بعد ما مهد جميع أسبابه الاختيارية ولم يبق إلا الأسباب الخارجة عن الاختيار فيرجو تمهيدها ورفع الموانع عن تحقيق المرجو ، ولأجل ذلك لا ينفك الرجاء عن العمل ، وهذا مما أكد عليه القرآن الكريم في مواضع متعددة ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ) [البقرة ـ ٢١٨] ، أي إنّ الرجاء لا يليق إلا بهؤلاء فلا يستحقه غيرهم. وقال تعالى : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف ـ ١١٠] ، ولقد ذم الإسلام من يرجو الغفران بدون العمل والإيمان ، قال تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) [الأعراف ـ ١٦٩] ، وقال نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) «الأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الجنة».
وفي الكافي عن الصادق (عليهالسلام) قيل له : إنّ قوما من مواليك يلمّون بالمعاصي ، ويقولون : نرجو ، فقال (عليهالسلام) : «كذبوا ليسوا لنا بموال