أولئك قوم ترجحت بهم الأماني من رجا شيئا عمل له ، ومن خاف شيئا هرب منه» ، وعنه (عليهالسلام) أيضا «لا يكون مؤمن مؤمنا حتّى يكون خائفا راجيا ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو».
فالرجاء لا بد أن يكون مقرونا بالعمل ومع فقده يكون غرورا ، مثل من يلقي البذر في الأرض السبخة ، وقد عزم على عدم تعهد الزرع بالسقي ، وتنقية الأرض وهو يرجو جني الثمار من بذره ، وهذا لا يكون إلا غرورا. بخلاف من ألقى البذر في أرض طيبة ، وقد بنى على التعهد والتنقية وسوق الماء ، وتحقيق كلّ ما هو داخل تحت اختياره في سبيل الحصول على الثمار من زرعه ، ثم يرجو الله تعالى أن يدفع عن زرعه الحوادث والصوارف فيكون رجاؤه محمودا ، وكذا من يرجو الله تعالى والدخول في رضوانه ورحمته لا بد له من الإيمان به ، ومتابعة أنبيائه ، وتطهير القلب من الأخلاق الرذيلة والتحلّي بالأخلاق الفاضلة ثم التعهد بإتيان الطّاعات وترك المعاصي والسيئات ، فيرجو حسن الخاتمة والثبات على الإيمان والمغفرة ، ومثل هذا الرجاء يكون محمودا في نفسه وباعثا على القيام بما يقتضيه الإيمان ويوجب العزيمة في المؤمن ويجعله مثابرا على العمل.
الثالث : إنّ المرجو منه لا بد أن يكون أهلا لما يرجى منه وقادرا على الإجابة ، وهو منحصر به عزوجل لأنّ غيره في معرض الزوال ، ولأنّ عروض الحوادث وأسبابها الخفية غير معلومة لأحد إلا لله تعالى.
نعم ، حيث إنّ الدنيا دار الأسباب ولا تجري الأمور فيها إلا بأسبابها لا بد من تهيئة الأسباب الظاهرية والجدّ والاجتهاد فيها ، ويرجى من الله رفع الموانع التي هي غير معلومة لنا ، فانحصر الرجاء المطلق بالحيّ القيوم ، لأنّ غيره يفنى ولا يدوم.
ثم إنّ للرجاء مراتب ودرجات أعلاها ما إذا كان متعلّقا بالله تعالى وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا ، وهذا هو الرجاء المحمود الذي مدحه القرآن الكريم واعتبره أساس العمل الصالح والإيمان الصحيح وموجبا للغفران والارتقاء إلى الدّرجات العليا ، بل ذكرنا أنّ الرجاء الحقيقي لا يكون إلا هذا ويكون