البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة». وروي قريب منه عن ابن عباس. وقد ادعي الإجماع على ذلك. والبيت المعمور الوارد في هذه الرواية والسماء الدنيا في رواية أخرى شيء واحد كما يأتي في محله وإن صح الاختلاف بالاعتبار.
وأشكل عليه : بأنّ نزوله إلى السماء الدنيا لم يكن فيه أي منة علينا ولا معنى لاتصافه بالهداية والفرقان وبقائه في السماء الدنيا مدة سنين وهذا مما ينفيه قوله تعالى : (هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ).
وأجيب عنه : بأنّ اتصاف القرآن بالهداية والفرقان اقتضائي أي : من شأنه أن يهدي من التمس الهداية منه ، وأن يكون فرقانا إذا التبس الحق بالباطل. وبعبارة أخرى : إنّ اتصافه بهما يكون بتتميم إنزاله إلى الرسول (صلىاللهعليهوآله).
ونوقش في ذلك بأنّه لا يمكن إنزاله جملة واحدة ولو إلى السماء الدنيا ، لأنّ منه الناسخ والمنسوخ ، ومنه ما يكون جوابا لسؤال ، أو إنكار قول ، أو حدوث حادثة ، ولا يتأتى ذلك إلا إذا نزل متفرقا.
ويمكن الجواب عنه : بأنّ الحوادث المتدرجة الزمانية المتقدمة بعضها على بعض أو المقارنة بعضها مع بعض إنّما تكون بالنسبة إلى سلسلة الزمان المتدرجة في الحوادث المحصورة في الزمان الذي لا ينفك عن التغير والحدثان. وأما بالنسبة إلى الله تعالى المحيط بما سواه بكل معنى الإحاطة والعالم بالجزئيات قبل حدوثها ، فتكون جميع الحوادث المتعاقبة في الزمان عنده شيئا واحدا واقعا في آن واحد والإشكال إنّما هو بالنسبة إلى الزماني لا بالنسبة إلى المنزّه عن الزمان.
الثاني : أنّ المراد بنزول القرآن في شهر رمضان هو ابتداء نزوله فيه ثم أنزل بعد ذلك متفرقا في أوقات مختلفة ، والقرآن كما يطلق على المجموع يطلق على البعض أيضا.
ويرد عليه : أنّه مخالف لظاهر الآيات المباركة الدالة على نزول القرآن