بأجمعه في شهر رمضان وفي الليلة المباركة منه كما مر ، مضافا إلى أنّ بعثة الرسول (صلىاللهعليهوآله) كانت في غير شهر رمضان ، ومن المستبعد جدا أن لا ينزل في أول البعثة شيء من القرآن الكريم وتخلو مدة منه ، مع أنّ المشهور أنّ أول سورة نزلت مصاحبة للبعثة إما سورة العلق ، أو سورة المدثر ، وفيهما شواهد على أنّهما نزلتا حين البعثة وأمر الرسول بالرسالة.
الثالث : أنّ المراد بنزول القرآن في ليلة القدر هو نزول سورة من سوره المشتملة على جلّ معارف القرآن كسورة الحمد ، فكأنّ نزولها في ليلة القدر من شهر رمضان هو نزول القرآن بأجمعه ، ويصح أن يقال نزل القرآن جملة ، وبذلك يمكن الجمع بين نزول القرآن في أول بعثته (صلىاللهعليهوآله) ونزول القرآن في الليلة المباركة من شهر رمضان.
ويرد عليه ما أورد على سابقه من أنّه خلاف ظاهر الآيات الشريفة التي تدل على أنّ القرآن نزل جملة في ليلة القدر ، مع أنّ هذا الوجه في نفسه بعيد جدا ، كما لا يخفى.
الرابع : أنّ المراد بإنزال الكتاب جملة في الليلة المباركة هو حقيقة الكتاب التي وصفت بالمحكمة والمفصّلة والتي يأتي تأويلها في يوم القيامة ، والتي لها وقع في الكتاب المكنون الذي (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) وإنّه في أمّ الكتاب أو في اللوح المحفوظ قبل التنزيل ، كما دلت عليها الآيات المباركة ، وهذه هي التي نزلت على قلب سيد المرسلين جملة ثم أنزل بعد ذلك بالتدريج حسب الوقايع والحاجة ، ولذا أمر بأن لا يعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه قال تعالى : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) [ص ـ ١١٤]. وهذا الكتاب المنزل تدريجا متكئ على تلك الحقيقة المتعالية المنزهة عن تلبيسات المبطلين وشكوك المعاندين ، وقد أنزلها الله تعالى على رسوله فعلّمه تأويله وحقيقة ما يعنيه من الكتاب المبين.
وفيه : أنّه مخالف لسياق القرآن الذي نزل بلسان الأمة. نعم للقرآن حقيقة واحدة واقعية يحيط بها قلب نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ، ولكن مورد الكلام في الأول دون الثاني.