لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [يونس ـ ٢٢].
ولا يستفاد من ذلك أنّه حينئذ لا يمكن تخلف المدعو عن الدعاء إذا كان الأمر كذلك فإنّ أمر الدعاء والمسببات الظاهرية في ذلك سواء ، فإنّه كثيرا ما كانت هناك عوامل تثبّط الأسباب وتمنعها عن الأثر ، فكذلك في الدعاء فإنّ هناك موانع كثيرة عن تحقق المدعو به قد ندركها وقد لا ندركها بل الأمر في الدعاء أشد ، لفرض أنّه ارتباط مع عالم الغيب غير المتناهي الخارج عن الحس ، فلا بد أن تكون الأسباب الموصلة إليه أدقّ وأرقّ ، وهذا محسوس في عالم الماديات أيضا ، فإنّ كلّما كان الشيء ألطف وأدقّ كان السبب الموصل إليه كذلك.
فحقيقة الدعاء هي الشعور الباطني في الإنسان بالصلة والارتباط بعالم لا مبدأ له ولا نهاية ، ولا حدّ ولا غاية لسعة رحمته وقدرته وإحاطته بجميع ما سواه ، فوق ما نتعقل من معنى السعة والإحاطة والقدرة يقضي له حوائجه بحيث يجعل المدعو تحت قدرة الدّاعي جميع وسائل نجح طلباته فيقع التجاذب بين الموجودات الخارجية وبين قلب هذا الداعي ، فيصير موجدا وفاعلا لما يدعو به ، فيتحد الداعي والدعوة والمدعو به في بعض المراتب ، ولا تحصل هذه المرتبة إلا لمن انسلخ عن ذاته بالكلية وفنى في مرضاة الواحدية الأحدية فلا يرى في الوجود سوى المدعو ، سواء كان ذلك ملكة أم حالا ، فيتحد العاقل والمعقول ، كما أثبته بعض أكابر الفلاسفة ، ولعله المراد من الاسم الذي هو غيب الغيوب والسّر المحجوب ، فروح الدعاء هي ارتباط الداعي مع الله عزوجل بالشرائط المقررة المذكورة في محالها.
ما أورد على الدعاء :
بيّنا أنّ حقيقة الدعاء هي ارتباط خاص بين الإنسان وعالم لا مبدأ له ولا حد ، ولكن أورد على الدعاء إيرادات كثيرة أهمها هي :
الأول : ما عن الماديين الذين ينكرون الغيب أي : ما وراء المادة من المبدإ الحي الأزلي وإنكار ربط الحوادث به وارتباط العالم بالمادة فقط على