نحو العلية التامة ولذلك أنكروا الدعاء والتوسل إليه في نيل المطلوب ونجحه.
ويرده : ما أثبته جميع الفلاسفة من وجود مبدإ غيبي وأنّ الحوادث جميعها مستندة إليه ، وأنّ الشرايع الإلهية قد أثبتت ذلك بألسنة مختلفة وتفصيل البحث موكول إلى الفلسفة الإلهية وعلم الكلام. وأنّ المادة والجهد من قبيل المقتضيات لا العلل التامة ، ولذلك لا بد من التوسل إليه والإفاضة منه بعد السّعي والجد لتمهيد السبيل للنيل إلى المطلوب.
الثاني : أنّ المبدأ موجود وأنّه حيّ أزليّ ولكنّ الحوادث الجزئية الخاصة غير مستندة إليه بل أصل حدوث العالم وخلقه في الجملة ينتهي إليه بخلافها ، وقد تشعب عن هذا الرأي مذاهب : منها : ما عن اليهود كما حكاه الله تعالى عنها : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة ـ ٦٤]. ومنها : ما نسب إلى بعض من أنّ مناط الحاجة الحدوث في الجملة فقط دون البقاء ، حتى قال : «لو جاز على الواجب العدم لما ضرّ عدمه وجود العالم». وهناك مذاهب أخرى قد تعرضوا لها كلّ في محله ، ولذلك أنكروا الدعاء وقالوا إنّه لا يسمن ولا يغني من جوع.
ويرده : ما أثبتوه بالأدلة العقلية من أنّ مناط الحاجة الإمكان وهو حليف ما سوى الله تعالى حدوثا وبقاء في جميع الأزمنة والأمكنة ، وإذا كان كذلك فلا بد من التوسل إليه والإفاضة منه لفرض الافتقار إليه في ما سواه تعالى بلا فرق في تلك المذاهب.
الثالث : أنّ الحوادث معلومة عنده جلت عظمته ولا تغيّر في العلم ، فلا تغيّر في الحوادث أيضا ، فلا مجال للدعاء حينئذ في الحوادث بعد فرض تعلق علمه تعالى بها.
ويرده أولا : أنّ هذا مبنيّ على كون علمه تعالى علة تامة منحصرة لمعلوماته عزوجل ، وهو باطل عقلا ونقلا كما ثبت في الفلسفة الإلهية وسنتعرض في الآية المناسبة له إن شاء الله تعالى.
وثانيا : العلم تعلق بها متغيّرا ، فالتغير في المعلوم بالعرض لا في العلم