والمعلوم بالذات إذن لا إشكال في صحة التوسل إليه تعالى والدعاء للنيل إلى ما هو الصالح.
الرابع : أنّ الحوادث التي ترد على عالمنا مقدّرة ومقضية أزلا ولا تغيّر ولا تبدل في القضاء والقدر فلا معنى للدعاء والتوسل بعد نزول الحادثة ، وقد عبّر عن هذا الإيراد بتعابير مختلفة أخرى.
ويرده : أنّ القضاء والقدر من مراتب فعله جلّ شأنه وليسا في مرتبة الذات ، وفعله تعالى قابل للتغير مطلقا ، وقد ورد في بعض الروايات أنّ الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراما. فيصح التوسل إليه لأجل زوال الحادثة أو تغيير الحال.
الخامس : أنّ الدعاء من قبيل تحقق المعلول بلا علة ، وهو محال كما ثبت في محله.
ويرده : أنّ الدعاء لا ينافي قانون العلية والمعلولية أو سائر نواميس الطبيعة بل إنّه يكون سببا لتحقق المسبب المستند إلى سببه الخاص.
السادس : أنّ الآيات الشريفة الدالة على الحث على العمل ونيل الأجر به تنافي سبل الدعاء ، مثل قوله تعالى : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) [التوبة ـ ١٠٥] ، وقوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف ـ ٣٠] وقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) [النجم ـ ٤٠] ، وغيرها من الآيات المباركة فإنّ ظاهرها حصر التأثير في العمل وأنّ الأجر منحصر فيه.
ويرده أولا : أنّه لا تنافي بين تلك الآيات المباركة وبين ما أمر بالدعاء مثل قوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) [الأعراف ـ ٥٣] ، وقوله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر ـ ٦٠] ، لأنّ الدعاء بلا عمل لا أثر له وإنّه مما لا يستجاب ، كما يأتي في الروايات.
وثانيا : أنّ الدعاء بنفسه عمل خاص وتوجه إليه تعالى فلا تنافي بين ما دل على الترغيب بالعمل وبين أن يأمر بالدعاء.