من أصحابنا ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ في قبول الخبر منهجين ، وهما ما قد سلكهما كلّ من شيوخ القمّيّين والبغداديّين رحمهمالله ؛ فإنّ كثيرا من مرسلات الأصحاب لعلّ سببها يرجع إلى منهجهم الحديثي والمدرسة التي اتّبعوها ؛ فالبغداديّون قسّموا الأخبار إلى قسمين : أخبار الأصول وأخبار الفقه ؛ ففي أخبار الفقه اتّبعوا النصّ مع العمل الرجالي والفهرستي ، وفي أخبار الأصول اتّبعوا العقل وما أوجبه ، وإذا وجدوا الخبر الموافق للعقل نقلوه بعنوان مؤيّد وإرشاد لدليل العقلي.
ومنهج قبول الخبر عند القمّيّين هو قبول الخبر المروي من الراوي الثقة الإمامي العدل ... بدون فرق بين أخبار الأصول وأخبار الفقه مع تشدّدهم ومواظبتهم على عدم نقل أخبار الضعاف أو الغلاة في مجتمعهم (١) إلّا القليل من القمّيّين مثل الشيخ أبي جعفر الصدوق ومن ماثله فإنّهم عملوا كما عمل البغداديّون مع حفظ منهج شيوخهم القمّيّين.
بالجملة : يمكن على ضوء هذا الاختلاف في المنهج كان الشيخ الصدوق يرسل هذه الأخبار ، وهذا الإرسال يرتبط بمسلكه الحديثي.
وقد يقال : لعلّه أرسل هذه الأخبار بالرغم من عدم قبول مشايخه القمّيّين إلّا أنّ موافقتهم للنقل المعتبر كوجودها في كتاب مهمّ جعله يرسلها مع عدم اعتماد مشايخه لذلك الكتاب ، أو أنّه أرسلها مع وجودها في الكتب المعتمدة عند مشايخه لعدم مقبوليّة مضمونها عنده ... ودلائل كثيرة لا يقتضي المقام إيرادها ونسأل الله تبارك وتعالى أن يوفّقنا أن نكتب حولها في مجال آخر.
__________________
(١) ولذا ترى أنّ الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني مع كونه من البغداديّين أخذ أكثر من ثمانين بالمائة من أخباره عن القمّيّين ، ولذا قالوا : إنّ بلدة قم في أواخر القرن الثالث والقرن الرابع مجمع الأحاديث لتصفيتها ، من الغثّ والسمين والقويّ والضعيف.