أنّ الوجوب والاستحباب أمران بسيطان ، فما معنى التركيب المذكور؟ واجيب عنه بأنّه وإن كان بسيطا إلّا أنّهم في مقام تحديد ذلك الأمر البسيط حدّدوه بلوازمه ، لا أنّه مركّب حقيقة من هذين الأمرين ، بل الوجوب هو الطلب الأكيد الحتمي ، والاستحباب هو الطلب الضعيف ، وقد ذكرنا أنّ الصيغة ليست موضوعة للطلب لتقع الكلام في أنّه الطلب الأكيد أو مطلق الطلب. مضافا إلى أنّ معنى الطلب هو التصدّي نحو المطلوب ، وهو أمر واقعي لا ينشأ بالصيغة كما مرّ. والشوق وإن كان قابلا للشدّة والضعف ، إلّا أنّ الصيغة لم توضع له.
وقد ذكر الميرزا قدسسره (١) بأنّ الفرق بينهما بالمبادئ ، فالوجوب ما كانت مصلحته ملزمة بخلاف الاستحباب ، فإنّ مصلحته غير ملزمة. ولا يخفى أنّ المنكر للمصالح والمفاسد ـ وهو الأشعري ـ عنده أيضا وجوب واستحباب. مضافا إلى أنّ الأوامر الظاهرية هو يعترف بعدم المصالح في متعلّقاتها ، فما معنى الوجوب الظاهري والاستحباب الظاهري؟ مضافا إلى الأوامر الجزافيّة من الموالي العرفيّة ، ففي جميع هذه الوجوب والاستحباب متحقّقان ولا مصلحة في المتعلّق وإنّما هي في نفس الأمر.
والأظهر أن يقال : إنّ الصيغة إنّما وضعت كما ذكرنا لإبراز ذلك الاعتبار النفساني ، وحينئذ فإذا اقترن ذلك الاعتبار بالمرخّص في تركه ثبت الاستحباب ، وإن لم يتحقّق ذلك المرخّص يكون هو الوجوب. فالصيغة المبرزة لاعتبار شيء في ذمّة المكلّف إن اقترنت بالمرخّص في الترك فهي مثبتة للاستحباب ، وإن لم تقترن بالمرخّص تدلّ على الوجوب ؛ إذ الوجوب ليس إلّا عبارة عن الإلزام وثبوت شيء في ذمّة المكلّف.
__________________
(١) أجود التقريرات ١ : ١٤٤.