فالمشهور فيها : أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وإن كان ينافيه خطابا ، لقبح خطابه ؛ لأنّه تكليف بغير المقدور ، وحسن عقابه عقلا.
وذهب أبو هاشم (١) الجبّائي إلى أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار خطابا وعقابا (٢) ؛ لأنّه زعم أنّ قبح الخطاب بغير المقدور إنّما يتمّ إذا لم يكن المكلّف بنفسه سببا له ، وأمّا إذا كان المكلّف سببا له فلا قبح فيه ، فيجوز أن يقول المولى : «إذا صعدت إلى السطح فاجمع بين النقيضين» ولا يجوز أن يقول : «اجمع بين النقضين».
وذهب جماعة إلى أنّ الامتناع بالاختيار مناف للاختيار عقابا وخطابا. ولا ريب أنّ التدبّر يقتضي أن يقال بالقول الأوّل وإنّه مناف خطابا لا عقابا.
إذا عرفت هذه المقدّمة فالواجب المشروط تارة يكون مشروطا بشرط ليس له دخل في تحقّق ملاك المأمور به أصلا ، بل المأمور به واجد للملاك كان ذلك الشرط موجودا أو لم يكن ، وليسمّ هذا الشرط بالشرط العقلي.
واخرى يكون مشروطا بشرط له دخل في تحقّق الملاك في المأمور به بحيث لولاه لا ملاك أصلا.
فالأوّل كما في القدرة ، فإنّها شرط عقلي للتكليف. وحينئذ فإن كان قادرا على المأمور به أو قيده فلا يجوز له تعجيز نفسه ؛ لأنّ الملاك في المقام ليس مشروطا بالقدرة ، وتفويت الملاك الفعلي كتفويت المأمور به الفعلي قبيح عقلا ، فيجب عليه حفظ قدرته إن كانت أو تحصيلها إن لم تكن وإن لم يكن وجوب ذي المقدّمة فعليّا ؛ لعدم التفرقة عقلا بين قبح ترك التكليف وترك الملاك الملزم الفعلي.
ومن ثمّ حكم الفقهاء بوجوب تعلّم الصبيّ اصول دينه عقلا ليكون في أوّل أزمان بلوغه مؤمنا ، بل يجب عليه أن يحفظ قدرته على الصلاة حال بلوغه لو فرض علمه أنّه إن لم يحفظها من الآن لم يتمكّن عليها في ظرفها.
__________________
(١) كذا ، والصواب : أبو عليّ.
(٢) البرهان في أصول الفقه ١ : ٢٠٨ ، والمنخول : ١٢٩.