إلّا أنّ التصرّف فيه تبعا للتصرّف في المنطوق ليس رفعا لليد عن الدليل الشرعي من غير سبب ؛ لأنّ المعارضة بين العموم والمنطوق محقّقة. وحينئذ فينبغي إعمال قواعد التعارض المقرّرة ، ولا خصوصيّة للمقام تقتضي أن لا يكون من باب التعارض ، فإنّ التصرّف في كلّ منهما ممكن فتجري قواعد المعارضة ، هذا كلّه في مفهوم الموافقة.
وأمّا مفهوم المخالفة فهل يخصّص به العموم أم لا؟ فإن كان أخصّ قدّم على العموم قطعا مثل قوله : إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجسه شيء (١) ، فمفهومه أنّه إن لم يكن قدر كرّ ينجّسه شيء ، وهذا المفهوم يعارضه قوله صلىاللهعليهوآله : خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شيء إلّا ما غيّر طعمه أو ريحه (٢) وفي بعض الروايات ذكر اللون أيضا (٣). فبمقتضى هذا العموم ينبغي أن لا يحكم بتنجيس الماء القليل ما لم يتغيّر بالنجاسة ، فإنّ الماء في العامّ وإن كان مطلقا إلّا أنّ ذكره في مساق الامتنان وعدم تقييده يقتضي عمومه ، ولكن لمّا كان المفهوم أخصّ ـ لأنّه في خصوص غير الكرّ ـ يقدّم على العموم للجمع العرفي ، فإنّ العرف يقدّم الخاصّ بحسب ارتكازه من غير فرق بين أن يثبت العموم بالوضع أو بمقدّمات الحكمة ويكون المفهوم بالوضع أو بمقدّمات الحكمة أو بهما كما اخترناه ؛ وذلك لأنّ العرف يرى الخاصّ قرينة على عدم إرادة العموم إرادة جدّية ، والقرينة وإن كانت في غاية الضعف تقدّم على ظاهر الثاني وإن كان في أرقى مراتب القوّة كما قدّم الظهور في مثل «رأيت أسدا يرمي» في الرجل الشجاع مع أنّ ظهور «أسد» في الحيوان المفترس وضعي ، والرمي ظاهر في رمي النبل من جهة الانصراف ومقدّمات الحكمة ، لإمكان رمي التراب.
__________________
(١) الوسائل ١ : ١١٧ ـ ١١٨ ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الأحاديث ١ و ٢ و ٦ وفيها : لم ينجّسه.
(٢) الوسائل ١ : ١٠١ ، الباب الأوّل من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٨.
(٣) ورد في الرواية المتقدّمة ولم نعثر عليه في غيرها.