مثل «أكرم عالما ، وأكرم هاشميّا» فإنّه وإن كان له أن يكرم هاشميّا عالما ويكون التداخل فيه صحيحا وعلى القاعدة ومقتضيا لسقوط كلا التكليفين ، إلّا أنّ ظهور الدليلين في تعدّد التكليف يظهر الفرق بينهما جدّا ، كما هو ظاهر.
وبالجملة : فقد ظهر أنّ حمل المطلق على المقيّد متعيّن حيث يحرز وحدة التكليف بظهور نفس المطلق والمقيّد ، ومن هنا كان الفقهاء يحملون المطلق على المقيّد من غير أن يقوم عندهم من الخارج ما يدلّ على وحدة التكليف ، لاستظهارهم ذلك من نفس مدلول الدليلين ، إذ الأمر بالمطلق وبالمقيد وإن أمكنا إلّا أنّ ظهور الدليلين في المقام ينفي الوقوع. هذا تمام الكلام في حمل المطلق على المقيّد ، وقد اتّضح بما لا مزيد عليه أنّ المقيّد بمثابة القرينة الكاشفة عمّا يراد من المطلق بالإرادة الجدّية.
هذا كلّه فيما كان هناك أمر بمطلق الطبيعة وأمر آخر بحصّة خاصّة منها ، كما مثّلنا بقولنا : أعتق رقبة ، وأعتق رقبة مؤمنة. وأمّا إذا كان الأمر الثاني بتقيّد الأمر الأوّل مثل قولنا : أعتق رقبة ، ثمّ يأتي أمر آخر بمثل : ولتكن الرقبة مؤمنة ، فهل يحمل المطلق على المقيّد فيكون الأمر الثاني مبيّنا للإرادة الجدّية من الأمر الأوّل فيكون الأمر الأوّل متعلّقا بالمقيّد واقعا وأظهر ذلك وجود الأمر الثاني ، أو يقال : إنّه من باب الواجب في الواجب فيكون الأمر الأوّل مبيّنا لواجب ذي مصلحة والأمر الثاني مبيّنا لواجب آخر ذي مصلحة اخرى؟ الظاهر الأوّل ، وإن كان الثاني ممكنا أيضا ، بل واقعا في مثل «من نذر أن يصلّي ظهره في المسجد» فصلاة الظهر واجب وإيقاعها في المسجد واجب آخر ، إلّا أنّ ظهور الدليلين المذكورين في التقيّد أقوى ، وذلك لانسلاخ ظهور الأمر الثاني في المولويّة وانعقاد ظهوره في الإرشاد إلى الجزئيّة حيث يمكن كون متعلّقه جزءا كما في مثل «صلّ ولتكن في صلاتك فاتحة الكتاب» أو إرشاد إلى الشرطيّة في مثل «ولتكن صلاتك بطهور» أو يكون المقيّد نهيا مرشدا إلى المانعيّة كما هو ظاهر. فظهور هذه الأوامر والنواهي في الإرشاد إلى الشرطيّة والجزئيّة والمانعيّة في نظر العرف أقوى من ظهورها في المولويّة.