ومن ثمّ ذهبوا إلى حمل المطلق على المقيّد في نظير ذلك في الفقه ولم يتوقّفوا ، وموارده أكثر من أن تحصى.
ثمّ إنّ حمل المطلق على المقيّد حيث يكون أمر بمطلق وآخر بمقيّد إنّما هو إذا احرز وحدة التكليف من الخارج أو من نفس الدليلين كما تقدّم كما إذا قال : «صلّ وصلّ إلى القبلة» أو أنّه ذكر الأمر بالصلاة فيهما معلّقا على أمر واحد كأن يقول : إن ظاهرت فأعتق رقبة ، وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة. وأمّا إذا كان أحدهما غير معلّق على شيء والآخر معلّقا كما إذا قال : «أعتق رقبة ، وإن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة» فلا ريب في ظهور الوجوب الذاتي في الأوّل والوجوب من جهة الظهار في الثاني ، فليس من موارد حمل المطلق على المقيّد. فضلا عمّا إذا علّق كلّ منهما على أمر غير ما علّق الآخر عليه ، كما في : إن ظاهرت فأعتق رقبة ، وإن أفطرت في نهار شهر رمضان فأعتق رقبة مؤمنة.
ثمّ إنّه كما يحمل المطلق على المقيّد في الأحكام الإلزاميّة فهل يحمل في المستحبّات؟ ربّما يقال كما في الكفاية : إنّه إذا كان المقيّد قرينة عرفيّة على إرادة المقيّد جدّا من الأمر بالمطلق فلا فرق بين الواجبات والمستحبّات (١).
والصحيح أن يقال : إنّ المطلق والمقيّد في باب المستحبّات على أنحاء ثلاثة (٢) :
الأوّل : أن يكون المقيّد ذا مفهوم ناف للاستحباب عمّا عداه كما إذا ورد : صم أوّل كلّ شهر ، ثمّ ورد : صم أوّل كلّ شهر إن لم ينهك أبوك عنه ، مثلا ، فمفهومه أنّه إن نهاك أبوك عنه فلا استحباب ، ففي مثل ذلك لا بدّ من حمل المطلق على المقيّد ، وإلّا لزم التنافي بين المفهوم والمطلق ، ولا يجدي في رفعه تفاوت مراتب الاستحباب أصلا.
الثاني : أن لا يكون المقيّد ذا مفهوم لكن كان المقيّد مبيّنا لاستحباب المقيّد ذاته لا استحباب التقيّد ، وفي مثل ذلك لا مجال لحمل المطلق على المقيّد ؛ لأنّ حمل المطلق
__________________
(١) انظر كفاية الاصول : ٢٩١.
(٢) كذا في الأصل ، لكنّه أنهاها إلى خمسة.