على المقيّد في الواجبات إنّما كان للتنافي بين الوجوب التعييني لخصوص المقيّد ووجوب المطلق المقتضي للترخيص في تطبيقه على غير تلك الحصّة ، وفي المقام لا تنافي ؛ لأنّ ترك المقيّد ليس ذا محذور ، بل تركهما معا ليس ذا محذور ، وحينئذ فلو ترك المقيّد وأتى بالمطلق فلا محذور أصلا بخلاف صورة الوجوب. وهذا مثل أن يقول المولى : أذّن ، ثمّ يقول : أذّن قائما ، فإنّ مفاد الثاني استحباب الأذان قائما ، وليس مفاده حصر الاستحباب به ، فيكون من باب اشتهار تفاوت مراتب الاستحباب ، فافهم.
الثالث : أن لا يكون المقيّد ذا مفهوم ولكن كان دالّا على استحباب التقيّد كأن يقول المولى : صلّ صلاة الليل ، ثمّ يقول : صلّ صلاة الليل في المنزل ، وفي مثله لو لم تقم قرينة على كون المقيّد أفضل الأفراد فمقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد ، وذلك لتحقّق ظهور الأمر في الوجوب الشرطي ، ومعناه تقييد المستحبّ بكونه بذلك القيد الخاصّ ، وحينئذ فلا دليل على استحبابه إذا خلا عن ذلك القيد.
وبالجملة : فقرينيّة المقيّد لرفع اليد عن المطلق محفوظة في مثل المقام ، نعم ليس في الأمر بالمقيّد احتمال الوجوب النفسي إلّا أنّ ظهوره في الوجوب الشرطي بمعنى اشتراط ذلك القيد في طبيعة المطلق المستحبّة فلا محبوبيّة حينئذ لغير المقيّد ، فيحمل المطلق على المقيّد في المقام.
الرابع : أن لا يكون للمقيّد مفهوم ولكن يكون المقيّد بلفظ «وليكن» كأن يقول : أذّن للصلاة ، ثمّ يقول : وليكن أذانك حال استقبال القبلة ، وفي مثله أيضا لا بدّ من حمل المطلق على المقيد لما ذكر من انسلاخ مثل هذا الأمر من المولويّة وتحقّق ظهوره في بيان الجزئيّة أو الشرطيّة. ومن هنا ذهبنا إلى اشتراط القيام والطهارة في الإقامة ، لورود ذلك بلفظ «أقم وأنت متطهّر ، وأنت قائم» (١) وإن كان خلاف المشهور.
__________________
(١) انظر الوسائل ٤ : ٦٢٧ ، الباب ٩ من أبواب الأذان والإقامة ، والباب ١٣ ، الحديث ١٤.