إلاّ أنّ الجهود الخيّرة والمساعي المثمرة للأئمّة الطاهرين عليهمالسلام صمدت في وجه كلّ تلك الحملات المسعورة ، فربّى الأئمّة عباقرة وجهابذة وحملة للرسالة ، قارعوا الأفكار الخاطئة ونشروا وتحمّلوا أعباء الرسالة الصحيحة ، فدوّنوا المؤلّفات الّتي تصحّح كلّ ما مسّته يد التحريف والتلاعب.
وكان النصيب الأوفر من الخلاف ، والقسم الأضخم من النزاع ، قد انصبّ على مسألة الإمامة والخلافة والوصيّة لعليّ عليهالسلام ، فدار حولها الجدل والخلاف في أوّل يوم بعد وفاة الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وذلك في سقيفة بني ساعدة ، حيث احتجّ المهاجرون على الأنصار بأنّهم من قومه وعشيرته ، واحتجّت الأنصار على المهاجرين بأنّهم الّذين آووا ونصروا ، وأنّهم الأوّلون قدما في الإسلام ، وامتدّ النزاع واشتجر بينهم ، ناسين أو متناسين حقّ عليّ بن أبي طالب عليهالسلام وأولويّته بالخلافة ولو وفق ما احتجّ به الفريقان.
وعلى كلّ حال ، فقد سيطر أبو بكر بمساعدة عمر على الأمور بالقوّة والعسف ، ولم يصخ سمعا لاحتجاجات عليّ عليهالسلام المحقّة ، مبتدعا قولة « لا تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم » (١) ، ومن ثمّ ادّعى من بعدها « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث درهما ولا دينارا » (٢) ، وما إلى غيرها من مبتكرات الخلافة المتسلّطة.
من هنا نجد أنّ الصراع الفكري في مسألة الإمامة الّتي أخفى الظالمون معالمها قويّ جدّا ، فراح رواة الشيعة وعلماؤهم يؤلّفون أخذا عن أئمّتهم عليهالسلام في هذا المجال العقائديّ ،
__________________
(١) انظر كتاب سليم بن قيس (١١٧) وفيه : ثمّ ادعى أنّه سمع نبي الله يقول : إنّ الله أخبرني أن لا يجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة ، فصدّقه عمر وأبو عبيدة وسالم ومعاذ. وانظر جواب علي على ذلك إذ دخل في الشورى ، في كتاب سليم أيضا (١١٩)
(٢) انظر صحيح البخاري ( ج ٥ ؛ ١٧٧ ) ، صحيح مسلم ( ج ٣ ؛ ١٣٨٠ ) ، السيرة الحلبية ( ج ٣ ؛ ٣٨٩ ). وهذا الحديث من مخترعات أبي بكر لم يرو عن غيره. قال ابن ابي الحديد : قال النقيب أبو جعفر يحيى بن محمّد البصري : إن عليا وفاطمة والعباس ما زالوا على كلمة واحدة ، يكذبون « نحن معاشر الأنبياء لا نورث » ويقولون أنّها مختلقة. انظر شرح النهج ( ج ١٦ ؛ ٢٨٠ )