سمع الرواية وحاز على إجازات فيها ، وصار من المجيزين فيها ، إضافة إلى علوم أخرى وكتب كثيرة اطّلع عليها ، وعبّر عنها بقوله : « وسمعت ما يطول ذكر تفصيله (١) ». فصنعت منه عالما نحريرا وعلما من أعلام الأمّة.
ثمّ ترك ابن طاوس الحلّة متوجّها إلى بغداد ، وذلك في حدود سنة ٦٢٥ ه (٢) ، وفيها تزوّج زوجته زهراء خاتون ، قال رحمهالله : « ثمّ اتّفق لوالديّ ـ قدس الله روحيهما ونوّر ضريحيهما ـ تزويجي ... وكنت كارها لذلك ... فأدّى ذلك إلى التوجه إلى مشهد مولانا الكاظم عليهالسلام ، وأقمت به حتّى اقتضت الاستخارة التزويج بصاحبتي « زهرا خاتون بنت الوزير ، ناصر بن المهدي » رضوان الله عليها وعليه ، وأوجب ذلك طول الاستيطان ببغداد (٣) ».
وفي بغداد كان المستنصر العبّاسيّ قد أسكنه دارا في الجانب الشرقيّ منها (٤) ، وكان المستنصر محبّا محسنا للعلويين ، يسير فيهم بسيرة أبيه ، كما كان محسنا للعلم والعلماء.
ولقد لقي ابن طاوس غاية الاحترام والإكرام عند رجال الدولة ، وكانت له صلات وثيقة بفقهاء النظاميّة والمستنصريّة ، ومناقشات ومحادثات ، كما كانت له صلات متينة مع الوزير القمّيّ وولده ، والوزير مؤيد الدين ابن العلقمي وأخيه ، وولده عزّ الدين أبي الفضل محمّد صاحب المخزن.
وقد برز ابن طاوس عالما فطحلا فذّا ، فرض نفسه على الساحة العلميّة ، فطلب منه الخليفة المستنصر التصدّي للفتوى ، فرفض طلبه ، ثمّ طلب منه تولّي
__________________
(١) كشف المحجّة (١٨٨) وانظر الفصل ١٤٣ منه فإنّ فيه الشيء الكثير عن حياته الدراسيّة
(٢) لأنّ ابن طاوس بقي في بغداد ١٥ سنة ، ثمّ رجع إلى الحلّة في أواخر عهد المستنصر العبّاسيّ المتوفّى سنة ٦٤٠ ه ، فيستنتج من ذلك أنّه هاجر إلى بغداد سنة ٦٢٥ هـ
(٣) كشف المحجّة (١٦٦)
(٤) البحار ( ج ١٠٧ ؛ ٤٥ ) ، اليقين ( الباب ٩٨ )