وممن اعتمد على كتاب « الوصيّة » العلاّمة البياضي المتوفّى سنة ٨٧٧ ه في كتابه « الصراط المستقيم » ، حيث قال : « ولقد رأيت ثلاثا وثلاثين طرفة في الوصيّة المذكورة ، نقلها السيد الإمام ابن طاوس « رض » في خبر مفرد ، سأضع محصّلها في هذا الباب ، ليهتدي به أولو الألباب ولأتيمّن بذكرها ، وأتقرب إلى الله بنشرها ، فإنّ فيها شفاء لما في الصدور ، يعتمد عليها من يريد تحقيق تلك الأمور (١) ».
وقد مرّ عليك مرارا ، أنّ جلّ مطالب كتاب « الطّرف » هي عين مواضيع كتاب « الوصيّة » ، واعتماد العلاّمة البياضي على كتاب « الطّرف » يقتضي اعتماده على كتاب « الوصيّة » بالتبع.
ولعمري إنّ قوله : « ليهتدي به أولو الالباب » ، وقوله : « ولأتيمّن بذكرها » ، وقوله : « لأتقرّب إلى الله بنشرها » ، وقوله : « فإنّ فيها شفاء لما في الصدور » ، لا يقلّ صراحة في الاعتماد عن قوله : « يعتمد عليها من يريد تحقيق تلك الأمور ».
والحاصل : أنّ اعتبار الكليني ، واعتماد السيدين ، الرضي وابن طاوس ، والعلاّمة المسعودي ، والعلاّمة البياضي على الكتاب ، يدلّ على أنّ الكتاب كان موضع اعتبار العلماء الأجلّة قرنا بعد قرن ، وأنّه ذو قيمة علميّة عند المحدّثين والرواة ، ويشهد لذلك أنّ مشايخ النجاشي قد رووه أيضا ، فلو لا قيمته العلمية وأهميّته العقائدية لما تجشّم مشايخ النجاشي ـ وهم من العلم والضبط بمكان مرموق ـ أعباء قراءته على الشيوخ وروايته عنهم ، ويدلّ أيضا على الاعتبار والاعتماد ما تقدّم من استقراب اعتبار طريق الشيخ الطوسي إليه. وممّا تقدّم كلّه من أقوال العلماء الّتي تورث الاطمئنان على الاعتماد على الكتاب ، لا مجال للقول بعدم الاعتداد بالكتاب وراويه.
__________________
(١) الصراط المستقيم ( ج ٢ ؛ ٤٠ ، ٨٨ )