وهناك من الرواة من أسفَّ إلى أكثر من هذا كما فعل يزيد بن روح بن زنباغ الجذامي المعاصر لأبي مخنف ؛ [حيث] يروي عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير ، قال : والله إنّا لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زُحَر بن قيس حتّى دخل على يزيد بن معاوية ، فقال له يزيد : ويلك! ما وراءك وما عندك؟ فقال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ؛ ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته ، وستين من شيعته ، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال ، فاختاروا القتال على الاستسلام ، فَعَدَوْنا عليهم مع شروق الشمس ، فأحطنا بهم من كلّ ناحية ، حتّى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم أخذوا يهربون إلى غير وَزَر ، ويلوذون منّا بالآكام والحفر ؛ لواذاً كما لاذ الحمائم من صقر. فوالله يا أمير المؤمنين ما كان إلاّ جَزْرَ جَزور ، أو نومةََ قائل حتّى أتينا على آخرهم ، فهاتيك أجسادهم مجرّدة ، وثيابهم مرمّلة ، وخدودهم معفّرة ، تصهرهم الشمس ، وتسفي عليهم الريح ، زوارهم العقبان والرخم .... قال : فدمعت عين يزيد ، وقال : قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، لعن الله ابن سمية ، أما والله لو أنّي صاحبه لعفوت عنه ، فرحم الله الحسين (١).
أو أنّ شيعة علي في الكوفة أمثال سليمان بن صرد والمسيب بن نجية وغيرهما كتبوا للحسين بالقدوم ثمّ خذلوه حتّى قُتل ، ثمّ ندموا بعد ذلك ونهضوا للأخذ بثأره.
وغير ذلك.
أقول :
إنّ الرؤية السلبية عن شيعة الكوفة رُسمت خطوطها من قبل أبي جعفر المنصور خاصّة ضمن مخطّط شامل لتطويق الكوفة وأهلها ، وتغيير الرؤية عن تاريخ علي والحسن والحسين عليهمالسلام ؛ نكاية بالحسنيِّين الثائرين ، حيث كان هوى الثوّار من الكوفيِّين مع الحسنيِّين ، وهوى مَنْ يرى العلم والحديث مع الإمام جعفر الصادق وآبائه الأئمّة عليهمالسلام. ثمّ
__________________
(١) تاريخ الطبري ٤ / ٣٥١.