تحرّك الإعلام العباسي من خلال روايات الرواة الذين سايروا العباسيِّين في مخطّطهم رغبة في دنياهم ، فوضعوا وحرّفوا ما شاؤوا من الروايات.
أمّا كون هوى الكوفيِّين مع الحسنيِّين ، فقد قال الطبري : لمّا ظهر محمّد وإبراهيم ابنا عبد الله ، أرسل أبو جعفر (المنصور) إلى (عمّه) عبد الله بن علي وهو محبوس عنده : أنّ هذا الرجل قد خرج ، فإن كان عندك رأي فأشر به علينا ، وكان ذا رأى عندهم. فقال : ارتحل الساعة حتّى تأتي الكوفة ، فاجثُم (١) على أكبادهم فإنّهم شيعة أهل هذا البيت وأنصارُهم ، ثمّ احفُفْها بالمسالح ، فمَنْ خرج منها إلى وجه من الوجوه أو أتاها من وجه من الوجوه فاضرب عنقه (٢).
وأمّا كونهم في الفقه والحديث والعلم يتبعون للإمام جعفر الصادق وآبائه عليهمالسلام ، فقد روى القاضي عياض (٣) الحوارَ الذي دار بين أبي جعفر المنصور ومالك بن أنس ؛ حيث عرض عليه أن يجعله مرجعاً فقهيّاً للدولة آنذاك.
قال مالك : فقلت له : ولأهل العراق قولاً تعدَّوْا فيه طورَهم.
فقال : أمّا أهل العراق فلست أقبل منهم صرفاً ولا عدلاً ، وإنّما العلم علم أهل المدينة ، فضع للناس العلم.
وفي رواية فقلت له : إنّ أهل العراق لا يرضون عِلمَنا.
فقال أبو جعفر : يضرب عليه عامَّتهم بالسيف ، وتقطع عليه ظهورهم بالسياط (٤).
وقد خطب المنصور في الكوفة سنة ١٤٤ هجرية بعد أن قبض على عبد الله بن الحسن والد محمّد وإبراهيم قبيل أن ينهضا ويثورا.
__________________
(١) جثُم يجثُم : لصق ولزم.
(٢) تاريخ الطبري ٦ / ١٩٤.
(٣) انظر تفصيل ذلك في كتابنا المدخل إلى مصادر السيرة والتاريخ / ٤٧٠.
(٤) وكان المنصور قبل ذلك قد قال لأبي حنيفة : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيئ له من مسائلك الصعاب. الكامل في الضعفاء ـ ابن عدي ٢ / ١٣٢.