قال المسعودي : ولمّا أخذ المنصور عبد الله بن الحسن وإخوته والنفر الذين كانوا معه من أهل بيته ، صعد المنبر بالهاشمية ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على محمّد صلىاللهعليهوآله ، ثمّ قال : يا أهل خراسان ، أنتم شيعتنا وأنصارنا ، وأهل دعوتنا ، ولو بايعتم غيرنا لم تبايعوا خيراً منّا.
إنَّ ولد أبي طالب تركناهم ـ والذي لا إله إلاَّ هو ـ والخلافة ، فلم نعرض لهم لا بقليل ولا بكثير ؛ فقام فيها علي بن أبي طالب عليهالسلام فما أفلح ، وحكَّم الحكمين ، فاختلفت عليه الأمّة وافترقت الكلمة ، ثمّ وثب عليه شيعته وأنصاره وثقاته فقتلوه.
ثمّ قام بعدَهُ الحسن بن علي عليهالسلام ، فوالله ما كان برجل ، عرضت عليه الأموال فقبلها ، ودسَّ إليه معاوية أنِّي أجعلك ولي عهدي ، فخلع نفسه وانسلخ له ممَّا كان فيه وسلَّمه إليه ، وأقبل على النساء يتزوّج اليوم واحدة ويطلّق غداً اُخرى ، فلم يزل كذلك حتّى مات على فراشه.
ثمّ قام من بعده الحسين بن علي عليهماالسلام ، فخدعه أهل العراق وأهل الكوفة ، أهل الشقاق والنِّفاق والإغراق في الفتن ، أهل هذه المدرة السوء ـ وأشار إلى الكوفة ـ فوالله ما هي لي بحرب فأُحاربها ، ولا هي لي بسلم فأُسالمها ، فرَّق الله بيني وبينها ، فخذلوه وأبرؤوا أنفسهم منه ، فأسلموه حتّى قُتل.
ثمّ قام من بعده زيد بن علي ، فخدعه أهل الكوفة وغرّوه ، فلمَّا أظهروه وأخرجوه أسلموه ، وقد كان أبي محمّد بن علي ناشده الله في الخروج ، وقال له : لا تقبل أقاويل أهل الكوفة ، فإنّا نجد في علمنا أنَّ بعض أهل بيتنا يصلب بالكناسة ، وأخشى أن تكون ذلك المصلوب. وناشده الله بذلك عمّي داود وحذَّره رحمهالله غدر أهل الكوفة فلم يقبل ، وتمَّ على خروجه ، فقُتل وصُلب بالكناسة (١).
__________________
(١) مروج الذهب ـ المسعودي ٣ / ٣٠١ ، وكانت بوادر التحسّس من الكوفيِّين قبل ذلك ، روى البلاذري