ونوّر في قلبه باليقين ، فقاتلوا هؤلاء المحلِّين المحدِثين المبتدِعين الذين قد جهلوا الحقّ فلا يعرفونه وعملوا بالعدوان فليس ينكرونه.
وقال أبو البختري : أيّها الناس ، قاتلوهم على دينكم ودنياكم ، فوالله لئن ظهروا عليكم ليفسدنّ عليكم دينكم ، وليغلبنّ على دنياكم.
وقال سعيد بن جبير : قاتلوهم ولا تأثموا من قتالهم بنيّة ويقين ، وعلى آثامهم قاتلوهم ؛ على جورهم في الحكم ، وتجبّرهم في الدين ، واستذلالهم الضعفاء ، وإماتتهم الصلاة.
أقول : وقُدِّر لأهل العراق في هذه المعركة ـ التي استمرت أكثر من ثلاثة شهور ، ابتداء من مطلع ربيع الأوّل إلى الرابع عشر من جمادى الآخرة ـ الهزيمة ، ومضى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث مع ابن جعدة بن هبيرة ومعه اُناس من أهل بيته ، ثمّ جاء حتّى انتهى إلى بيته وعليه السلاح وهو على فرسه لم ينزل عنه ، ثمّ ودّع أهله وخرج من الكوفة.
(قال هشام) : حدّثني أبو مخنف ، عن أبى يزيد السكسكي قال : خرج محمد بن سعد بن أبي وقاص بعد وقعة الجماجم حتّى نزل المدائن ، واجتمع إليه ناس كثير ، وخرج الحجّاج فبدأ بالمدائن فأقام عليها خمساً حتّى هيّأ الرجال في المعابر ، فلمّا بلغ محمد بن سعد عبورهم إليهم خرجوا حتّى لحقوا بابن الأشعث جميعاً ، وأقبل نحوهم الحجّاج ، فخرج الناس معه إلى مَسْكَن على دُجيل ، وأتاه أهل الكوفة والفلول من الأطراف وتلاوم الناس على الفرار ، وبايع أكثرهم بسطام بن مصقلة على الموت ، وانهزم أهل العراق أيضاً (١) ، وقُتل أبو البختري الطائي ، وعبد الرحمن بن أبى ليلى ، ومضى ابن الأشعث والفَلُّ (٢) من المنهزمين معه ، وتجمّعت بعض فلول ابن الأشعث ، وحاربوا المهلّب في خراسان
__________________
(١) قال خليفة : قال أبو الحسن : قال عوانة : قتل الحجّاج بمسكن خمسة آلاف أسير ، أو أربعة آلاف.
(٢) الفل : المنهزم ، والجمع الفلول. (كتاب العين)