قال الطبري : فأقبل الحسين حتّى نزل مكّة ، فأقبل أهلها يختلفون إليه ويأتونه ومَنْ كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق. وقال ابن كثير : فعكف الناس على الحسين يفدون إليه ، ويقدمون عليه ويجلسون حواليه ، ويستمعون كلامه حين سمعوا بموت معاوية وخلافة يزيد.
وأما ابن الزبير فإنّه لزم مصلاّه عند الكعبة ، وجعل يتردّد في غبون (١) ذلك إلى الحسين عليهالسلام في جملة الناس ، ولا يمكنه أن يتحرّك بشيء ممّا في نفسه مع وجود الحسين ؛ لِما يعلم من تعظيم الناس له وتقديمهم إيّاه (٢).
أقول : بقي الحسين عليهالسلام في مكّة شهر شعبان ورمضان ، وشوال وذي القعدة وثمانية أيام من ذي الحجّة ، وممّا لا شك فيه أنّ الحسين عليهالسلام في هذه الفترة ، وفي حلقاته مع المعتمرين وأهل الآفاق كان قد كسر الطوق الذي فرضه معاوية على الحديث النبوي الصحيح في علي وأهل بيته ، أو في ذم بني اُميّة ، أو في بيان أحكام متعة الحج وغير ذلك. وبدأ يذكِّر الناس ويُسْمِع مَنْ لم يَسمَع منهم أحاديث النبي صلىاللهعليهوآله في تفسير القرآن ، وفي فضل أبيه علي عليهالسلام وفي فضله وفضل أخيه الحسن عليهالسلام ، وفي ذمّ بني اُميّة ونزوهم على منبر الرسول ، وفي الموقف الصحيح عند ظهور الظلم والبدع وغير ذلك.
من قبيل : حديث الغدير ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وحديث الثقلين ، وحديث الكساء ، وحديث رؤيا النبي والشجرة الملعونة في القرآن ، وغيرها.
ومن قبيل قوله صلىاللهعليهوآله : «مَنْ رأى سلطاناً جائراً ، مستحلاً لحرم الله ، ناكثاً لعهد الله ، مخالفاً لسنّة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله» (٣).
ثمّ يذكِّرهم بجرائم بني اُميّة ومخالفاتهم لأحكام الله وسنّة رسوله ، وتعطيلهم الحدود ، وقتلهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، كحجر بن عدي ، وعمرو بن الحمق
__________________
(١) غبن الرجل يغبنه غبناً : مر به وهو مائل فلم يره ولم يفطن له (لسان العرب مادة غبن).
(٢) البداية والنهاية ٨ / ١٥١.
(٣) تاريخ الطبري ٥ / ٤٠٣.