.................................................................................................
______________________________________________________
بعد أن كانت العبرة بصدق عنوان المضي والتجاوز عن الشيء المتحقّق فيها كالمركّبات بمناط واحد ، ولا يعتبر في هذا الصدق عروض الشك بعد الدخول في الغير ، بل يكفي فيه مجرّد الفراغ عما يشكّ في صحّته وفساده.
وبهذا تفترق قاعدة الفراغ عن قاعدة التجاوز التي موضوعها الشك في أصل الوجود لا في صحّة الموجود بعد اشتراكهما في لزوم صدق المضي والتجاوز ، حيث إنّ الصدق المزبور بعد فرض الشك في أصل الوجود لا معنى له إلّا باعتبار المضي والتجاوز عن محلّ المشكوك فيه ، الّذي لا يتحقّق إلّا بالدخول في الجزء المترتّب عليه ، فكان هذا شرطاً في جريان قاعدة التجاوز لا محالة.
بخلاف قاعدة الفراغ ، لصدق المضي في موردها بمجرّد الانتهاء والفراغ عن العمل المشكوك صحّته وفساده كما عرفت ، من غير حاجة إلى الدخول في الغير. فلو شكّ في صحّة القراءة مثلاً قبل أن يركع بنى على الصحّة.
ثمّ إنّ الشك في صحّة الشيء لا يفرّق فيه بين ما كان مستنداً إلى ذاته من حيث اشتماله على الخصوصيات المعتبرة فيه بما هو ككون القراءة في المثال فصيحة أم ملحونة ، وبين ما كان مستنداً إلى ملاحظته مع الغير ككونه واجداً للترتيب وعدمه الّذي هو أمر قائم بين الطرفين ومعتبر في الأجزاء لا في ذواتها ، بل باعتبار ملاحظتها مع الغير ومقايسة بعضها مع البعض الآخر ، فانّ كلا القسمين يشتركان في كونهما بالأخرة من موجبات الشك في الصحّة المشمول لإطلاق الدليل.
فلو شكّ وهو قائم قبل أن يركع بعد علمه بالإتيان بذات الفاتحة وذات السورة في المتقدِّم منهما والمتأخِّر وأنّ السورة هل وقعت في محلّها واتّصفت بالترتيب المعتبر في صحّتها من لزوم تأخّرها عن الفاتحة أم لا ، بنى على الصحّة بمقتضى قاعدة الفراغ التي لا يعتبر في جريانها الدخول في الغير كما مرّ.