أكون لك خادمة. فقال لها : إن أردت ذلك فتعرّي من هيئتك وتجرّدي عمّا أنت فيه حتى تصلحي لما أردت. فتجرّدت (السعيدة) عن كلّ ما تملكه ولبست لبسة النسّاك ، وحضرته فتزوّجها فلما دخلت الكوخ رأت قطعة خصاف كانت في مجلس أبي شعيب تقيه من النّدى فقالت : ما أنا بمقيمة عندك حتى تخرج الخصاف لانّي سمعتك تقول : إن الأرض تقول : يا بن آدم تجعل بيني وبينك حجاباً وأنت غداً في بطني؟ فرماها أبو شعيب ومكثت عنده سنين يتعبّدان أحسن العبادة وتوفيا على ذلك (١).
أقول : قد حدثنا في كتاب (هدية الزائر) في فضل هذا المسجد الشريف وقلنا هناك إنّ لهذا المسجد كما يبدو من مجموع هذه الأحاديث فضائل عديدة تكفي إحداها لو حازها مسجد من المساجد أن تُشد إليه الرحال وتطوى المراحل ابتغاء رضوان الله بالصلاة فيه والدّعاء : الأولى : إنّ الله تعالى أقرّ أن لا ينزله بجيشه إِلاّ نبي أو وصي نبي. الثانية : إنه بيت مريم. الثالثة : إنه أرض عيسى عليهالسلام. الرابعة : إن فيه العين التي نبعت لمريم. الخامسة : إن أمير المؤمنين صَلَواتُ الله وسَلامُهُ عَلَيهِ ، أبان تلك العين بإعحازه. السادسة : أن فيه صخرة بيضاء مباركة عليها وضعت مريم عيسى عليهالسلام من عاتقها. السابعة : إن أمير المؤمنين عليهالسلام كشف باعجازه عن تلك الصخرة فنصبها إلى القبلة وصلّى إليها. الثامنة : صلاة أمير المؤمنين عليهالسلام وابنيه الحسن المجتبى وسيد الشهداء عليهالسلام فيه. التاسعة : إن أمير المؤمنين عليهالسلام أقام هناك أربعة أيام. العاشرة : إنّه صلى فيه الأنبياء لا سيّما النبي خليل الرحمن عليهالسلام. الحادية عشرة : إن هناك قبر نبي من الأنبياء ولعلّه يوشع عليهالسلام فقد قال الشيخ (رحمة الله عليه) إنّ قبره في الفسحة المقابلة لمسجد براثا. الثانية عشرة : إنّ فيه قد ردت الشمس لأمير المؤمنين عليهالسلام (٢).
والغريب أنّ المسجد بما له من الفضل والشرف الرفيع وبما بداً فيه من الآيات الإلهية والمعجزات الحيدرية قد عفاه معظم الوافدين لزيارة الاعتاب المقدسة في العراق وهو لم يكن في ناحية منعزلة وإنّما هو واقع على طريقهم الذي يجتازونه مراراً عديدة فلم يعهد أن يؤمه فرد واحد من كل ألف من الزوار وقد يتفق أنّ زائراً من الزوار يتوجه إليه متوخيا عظيم فضل الله فيه فإذا وافاه والباب مغلق فاقتضى فتح الباب أن يبذل نزراً يسيراً من المال تماسك عنه وتضايق وأغمض عن عظيم الاجر وهو لايحجم عن بذل الجزيل لمشاهدة مدينه بغداد
_________________
١ ـ معجم البلدان ١ / ٣٦٢ في مادّة براثا.
٢ ـ انظر البحار ١٤ / ٢٥٢ وج ٥٢ / ٢١٨ وج ١٠٢ / ٢٦ ـ ٣٠.