.................................................................................................
______________________________________________________
ثانيهما : أن يكون له داع إلى الترك ، ولكن تتأكد إرادة تركه للمنهي عنه بواسطة النهي ، إذ لو لا الزجر الشرعي ربما كانت وسوسة النّفس تحمل المكلف على المخالفة وتوجد فيه حبّ الارتكاب له ، إلّا أنه بعد العلم بخطاب الشارع وبما يترتب على مخالفته من استحقاق العقوبة يقوى داعيه إلى الترك ، فيجتنب عن الحرام ، أو يقصد القربة بالترك ، ولو لا نهي الشارع لما تمكن من قصد القربة ، لتوقفه على وصول الخطاب المولوي إليه.
ومن المعلوم أن داعوية النهي للترك تتوقف على إمكان تعلق إرادة العبد بكل من الفعل والترك بحيث يمكنه عادة اختيار أيهما شاء ، ومع خروج متعلق النهي ـ كالخمر ـ عن معرضية الابتلاء به لا يتمكن عادة من الارتكاب ، ومع عدم التمكن منه كذلك لا تنقدح الإرادة في نفسه ، ومع عدم انقداحها يكون نهي الشارع عن مبغوضه لغوا ، لوضوح أن ترك الحرام يستند حينئذ إلى عدم المقتضي ـ وهو الإرادة ـ لعدم وجود المتعلق حتى يتمكن من إرادة ارتكابه ، لا إلى وجود المانع وهو زجر الشارع ونهيه ، وقد تقرر أن عدم الشيء لا يستند إلى وجود المانع ، بل إلى عدم مقتضية ، لتقدمه الطبعي على المانع. وعليه فالنهي عن فعل متروك بنفسه ـ مثل شرب الخمر الموجود في إناء الملك مع عدم قدرته عليه عادة ـ لغو ، لعدم ترتب فائدته وهي احداث الداعي النفسانيّ إلى الترك عليه ، واللغو لا يصدر من الحكيم ، لمنافاته للحكمة ، بل يكون من طلب الحاصل المحال في نفسه.
وبهذا يظهر وجه إناطة تنجيز العلم الإجمالي بكون تمام الأطراف مورد الابتلاء ، ضرورة أنه يتوقف عليه حصول العلم بالتكليف الفعلي على كل تقدير بحيث يكون انطباق المعلوم بالإجمال على كل واحد من الأطراف موجبا لصحة توجيه الخطاب إلى المكلف ، ومع خروج بعضها عن الابتلاء لا يحصل العلم