يظهر التبرم والضجر من مقاله ، وإذا وجد في مجالسهم كأنّ على رؤوسهم الطير هيبة منه. وكان صادق الكشف خارق الحال ، يميل إلى الأصوات الحسان وينبسط إلى الغناء والألحان ، وتارة يشارك المغنين والندمان ، ويظهر التواجد والطرب ، ويميل إلى القهوة والتتن الفاخر وكل شيء مقبول لدى أهل الأذواق ، وكان آية من آيات الله.
وجرى لي معه ماجريات وكشوفات ، منها أنه حكم في بلدتنا الشهباء قاض شهرته بربر زاده ، يعني ابن الحلاق ، وذلك بتاريخ سنة ١٢٢٦ ، فاقتضى وقع بيننا نفسانية أدت إلى أن فأجأته بما لا ينبغي حتى خاف عليّ من سطوته بعض أحبابنا. ثم في ذلك الغضون توجهت لزيارة الأستاذ المشار إليه ولنتبرك بأنفاسه ، فصادف ذلك اليوم أن كان تجليه جمالا ، وكان نهار الأحد ، وطال المجلس إلى وقت العصر وميعاد التوحيد عندنا في الزاوية بعد العصر ، فصرت أحاول الإذن لي في الذهاب فلم يأذن إلى أن كادت الشمس تغرب ، فإذا به قام من المجلس وقال لي : تفضلوا سيدي ، وخرج من الزاوية ، فتبعته ولم أقدر أن أسأله إلى أين ، فتوجه إلى المحكمة لعند القاضي المزبور ، فأردت أن أفارقه على باب المحكمة ، فالتفت إليّ وقال : تفضلوا سيدي ، فدخلت معه امتثالا لأمره ، فدخل على القاضي فاستقبله وقبل يده ، وقبل أن يجلس وأجلس خاطب القاضي بقوله : سيدي
نسب أقرب في شرع الهوى |
|
بيننا من نسب من أبوي |
وإلا ينعلوا أبو دقنك ، ثم دخل وتعشى عند القاضي وعشاني معه ، ثم خرجنا فقال :
اذهب إلى سكانك ، وهذا البيت لسيدي عمر بن الفارض قدسسره من اليائية ، فإنه أشار إلى القاضي أن نسبتي ونسبة هذا أقرب من النسبة الأبوية ، فتأدب وإلا تخسر. فما مضى مدة من الزمن إلا وقد صار القاضي مدينا منكوبا ، وذهب إلى الشام ثم إلى مصر وعاد إلى الآستانة أعمى كأنه أصابه الأستاذ بسهم وفعل كما قال من أنهم ينعلو أبو ذقنه إشارة إلى اضمحلال الحال.
ومنها أنه لما كان إبراهيم باشا قطر آغاسي مرفوع الوزارة متقاعدا في تكية الشيخ أبي بكر الوفائي قدست أسراره صار يتوجه الأستاذ إلى زيارته ويذكر في كلامه ما يشير إلى رجوع الوزارة إليه ، ويلبسه الأكراك والخلع ، فما مضى مدة إلا وعادت إليه الوزارة وطلب لملاقاة يوسف ضيا باشا الصدر الأعظم إلى أنطاكية ، فخرج من حلب ولقيه في أنطاكية