المساجلة بحسنها الأغر ، واقتفى أثره أعلامنا ويا نعم الأثر ، فاستحسن حفظه الله ، وأدام علاه ، التنويه بذكر جماعتنا في رسالة لطيفة ، تعرب بعلو الثناء عن مراتبهم الشريفة ، كيما يتحف بها مولانا السابق في الكلام ذكره ، البارق في جلق الشام بدره ، فامتثلت أمره ، وأوجبت شكره ، وشرعت في ذلك غير آمن من زلل ، ولا سالم من خلل ، مجانبا التغالي المذموم ، والتجازف الملوم ، ذاكرا عند ختم الترجمة ، أبيات صاحبها المنظمة.
فمنهم الهمام ابن الهمام ، والليث ابن الضرغام ، الصدر البارع ، والبدر الطالع ، تقي الدين السيد محمد أفندي قدسي المكنى بأبي حنيفة ، المتحلي بالشمائل الشريفة ، الرهاوي منشا ومولدا ، والذكائي طالعا وسوددا ، والعواصمي مهاجرا ومقاما ، والنقشبندي طريقا ومقاما ، من أصبحت به الشهباء مخضرة الأرجاء ، والخضراء منورة الظلال والأفياء ، كأنه المعني بقول من غبر ، في سالف الخبر :
لقد علم الضيف والمرملون |
|
إذا أغبر أفق وهبّت شمالا |
بأنك ربيع وغيث مريع |
|
وأنك هناك تكون الثمالا (١) |
لله من سيد لو أبصره النعمان لا تخذه شقيقا ، أو يعقوب لنظر منه يوسف منظرا أنيقا. كيف لا وهو محمد بن الحسن ، ومالك أزمّة الفصاحة واللسن ، منقح الفتيا بالنظر السديد ، ومصحح الحكم بالفحص الشديد ، عطاردي الخبر والفهم ، وبحتري النثر والنظم ، صائب القوافي الرصينة ، وحافظ اللآلي الثمينة ، إن نثر الفوائد العربية فجوهري ثاني ، أو نظم القلائد الأدبية فصاحب الأغاني ، أريحيته أريحية حاتمية ، وأياديه أياد هاشمية.
راحاته وكفت ندى وكفت ردى |
|
تقضي بحق عداته وعداته |
كالغيث في إروائه وروائه |
|
والليث في وثباته وثباته |
خلقه نسيم الصبا جاءت برياه. ووصفه نور الربا كلله نداه. ولطفه شيء لا يبلغ كنهه ، ولا ينال شأوه ، من اقتطف نور البراعة في أفنائه تذكر ما بين العذيب وبارق ، ومن سرح طرف اليراع في ميدانه جر العوالي وأجرى السوابق ، فكأن شاعر الباب له أراد. حيث قال وأجاد :
وإذا ساجلته بالأدب |
|
يملا الدلو لعقد الكرب |
__________________
(١) البيتان لعمرة أو جنوب بنت العجلان ترثي أخاها. وينسبان إلى كعب بن زهير أيضا.