أصله من البصرة ، ولا يعرف على التحقيق أول من قطن من أجداده في حلب. وسبب تسمية أسرته بأمير زاده أو بأميري زاده أن جده الأعلى كان أميرا كبيرا من أعظم أمراء البصرة ، فكني هو وآباؤه بذلك.
ولد المترجم في حلب في أوائل القرن الثاني عشر ، وهو أصغر إخوته الحاج قاسم آغا والحاج إسماعيل آغا. ونشأ في كنف والده المثري الكبير على الصلاح والتقوى ، ولما ترعرع سلك مسلك أبيه في تعاطي التجارة وأخذ في الأسفار إلى البلاد النائية كالعراق والهند ، ورزق الحظ في تجارته التي كانت متصلة مع هذه البلاد ، فنمت ثروته وكثرت أمواله وأقبلت عليه الدنيا أيما إقبال. ثم ورث من أبيه ومن مماليك أبيه أموالا طائلة أيضا فكثرت بذلك أمواله بحيث صار في طليعة المثرين في حلب ، ثم وقف من أملاكه الواسعة على نفسه وعلى ذريته وقفا عظيما عرف باسمه ، وبنى جامعه المسمى جامع الخير والمشهور الآن باسمه الكائن في محلة السويقة ، وذلك سنة ١١٧٦ ، وبنى الخانين العظيمين المعروفين به في هذه المحلة وهما من جملة وقفه على مصالح الجامع المذكور وعلى ذريته ، وبنى السبيل الملاصق للخان ووقف عليه دارا مخصوصة.
وكان مع ثروته الواسعة حسن الأخلاق مطرح الكلفة متواضعا مع الكبير والصغير والغني والفقير ، لا يعتني بشؤون نفسه بل يلبس اللباس البسيط تواضعا منه.
حدثني من أثق به أن رجلا من تجار العراق أتى إلى حلب وكان يسمع بالمترجم ، فأحب أن يجتمع به ، فسئل عن مكانه فأخبر أنه في خانه في الحجرة الفلانية ، فجاء إليها فرأى رجلا بسيط الملبس عليه ثوب من الكتان العسلي جالسا على الدكة أمام مكتبه ، فلم يظن أنه منشوده الطائر الصيت لبساطة ملبسه ، فعاد راجعا يتساءل من أتباعه عن سيدهم ، فأجيب بأنه هو الرجل الذي رأيته جالسا.
ومما يحكى عن محبته للفقراء ومكارم أخلاقه أن سائلا وقف له فأعطاه ، ثم وقف له ثانية وقد بدل زيه فأعطاه ، وهكذا مرات متعددة وهو يعطيه ، وفي آخر الأمر انتهره عبد المترجم وقد كان ماشيا معه ، فالتفت إلى العبد ولامه على ذلك وأجزل العطية للسائل مع معرفته بما فعله.
وكان له أربع زوجات وأربعون حظية من الكرج والجركس ، كان يؤتى له بهن من