ومنها ما حدث به الشيخ محمد الحجار أنه كان يوما في درسه الخاص حسب عادته ، وإذ قد رأيناه ينظر إلى الكراس الذي يقرأ فيه بتأمل ، ثم ينتفض بسرعة ويقول : يا لطيف ، وقد تكرر منه هذا العمل مرارا ، فتعجب كل الحاضرين من هذه الحالة الغريبة التي لم يعهدوا مثلها في الشيخ من قبل ، حتى إذا ما فرغ من الدرس وهممنا بالخروج من عنده وإذا زلزلة عظيمة كاد يسقط لها المكان.
ومنها ما كنت سمعته من خالي السيد محمد كلزية غير مرة قال : كنت وأنا غلام أشتغل عند والدي في صنعة المنير ، فسمعت بدرس الشيخ فتوجهت إليه ، ولما سمعته تعشقته وواظبت على الدرس ، فتعطل لذلك بعض شغل والدي ، فنهاني عن ذلك إلا في أوقات الفراغ ، فلم أصغ لنهيه لشدة حبي للشيخ وتعلقي بدرسه ، وذهبت للجامع ، فما كاد يستقر بي الجلوس وإذا بالشيخ قد التفت نحو جهتي وقال ما معناه : يا إخوان ، إن بعض الناس يأتون إلى الدرس ليستمعوا وقد نهاهم آباؤهم عن ذلك إلا في بعض الأحيان ، ألا فليعلموا أن طاعة الوالدين واجبة ، فليسمعوا منهم ، ولا فلاح لمن لا يبر بوالديه. قال خالي : فأثرت فيّ تلك الكلمات ووصلت إلى أعماق فؤادي ، فنهضت للحال. وله مثل ذلك كثير.
وممن ترجمه الشيخ يوسف النبهاني في كتابه «جامع كرامات الأولياء» ، ومما قاله :
وكان رحمهالله من أفضل فضلاء هذا العصر وأعلمهم في العلوم العقلية والنقلية وأزهدهم في الدنيا وأرغبهم في الآخرة. وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يداهن أهل الدنيا لدنياهم ، بل يصدع بالحق ولا يبالي بكبير ولا صغير مأمور أو أمير. وحصل منه في نشر العلم في حلب وجهاتها النفع التام العام ، ووقع الإجماع عليه في تلك البلاد أنه فريد هذا العصر عندهم في العلم والعمل. وقد سمعت أوصافه هذه كلها من كثيرين ممن اجتمع بهم من أهل العلم وغيرهم بحيث لا شك بأنه كان كذلك وفوق ذلك ، وقد حدثني عنه الثقات أنه كان مع وفرة العمل والعلم صاحب كرامات وخوارق عادات ، فمن ذلك أنه كان يذكر في درسه ما يوافق ضمائر الحاضرين ويحل مشكلاتهم التي تتعلق في دنياهم وأخراهم ، ولما تكرر ذلك منه واشتهر بين الناس صاروا يقصدون درسه لذلك ، فإذا حضر الرجل في الدرس يسمع كلاما يتعلق بنيته من استحسان ما عزم على فعله أو استقباحه ،